ولمّا فَرغَ القوم منَ التّطوافِ به بالكوفةِ ، ردّوه إِلى بابِ القصر ، فدفعَه ابنُ زيادٍ إِلى زَحْرِ بنِ قيْسٍ ودَفعَ إِليه رؤوسَ أصحابِه ، وسرّحَه إِلى يزيد بن معاويةَ عليهم لعائنُ اللّهِ ولعنةُ اللاعنينَ في السّماواتِ والأرضينَ ، وأنفذَ معَه أبا بُردةَ بنَ عَوْفٍ الأزديّ وطارِقَ بنَ أبي ظَبيانَ في جماعةٍ من أهلِ الكوفةِ ، حتّى وردوا بها على يزيدَ بدمشقَ.
فروى عبدُالله بن ربيعةَ الحِميريّ فقالَ : إِنِّي لَعندَ يزيد بن معاويةَ بدمشقَ ، إذ أقبلَ زَحْرُ بنُ قيسٍ حتى دخلَ عليه ، فقالَ له يزيدُ : ويلكَ ما وراءَكَ وما عندَكَ؟ قالَ : أبشِرْ يا أميرَالمؤمنينَ بفتح اللّهِ ونصرِه ، وَرَدَ علينا الحسينُ بن عليٍّ في ثمانيةَ عشرَمن أهلِ بيتهِ وستينَ من شيعتهِ ، فسِرْنا إِليهم فسألْناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكمِ الأميرِ عُبيدِاللهِّ بنِ زيادٍ أو القتال ، فاختاروا القتالَ على الاستسلام ، فغَدَوْنا عليهم معَ شروق الشّمسِ ، فأحَطْنا بهم من كلِّ ناحيةٍ ، حتّى إِذا أخذتِ السُّيوفُ مآخِذَها من هام القوم ، جعلوا يهربونَ إِلى غيرِ وَزَرٍ ، ويلوذونَ منّا بالاكام والحُفر (١) لواذاً كَما لاذَ الحمائمُ من صقرٍ ، فواللّهِ يا أميرَالمؤمنينَ ما كانوَا إلاّ جَزْرَ جَزُورٍ أو نومةَ قائلٍ ، حتّى أتينا على آخرِهم ، فهاتيكَ أجسادُهم مجرَّدَةً ، وثيابُهم مُرَمَّلةً ، وخدودُهم معفَّرةً ، تَصْهَرُهم الشّمسُ (٢) وتَسْفِي عليهم الرِّياحُ ، زُوّارُهم العقبانُ والرّخمُ. فأطرقَ يزيدُ هُنيهةً ثمّ رفعَ رأسَه فقالَ : قد كنتُ أرضى من طاعتِكم (٣) بدونِ
__________________
٤٥ : ١٢١.
(١) في هامش «ش» و «م» : والشجر.
(٢) في «م» وهامش «ش» : الشموس.
(٣) في هامش «ش» و «م» : طاغيتكم.