للتّقيّةِ الّتي كانَ عليها ، والهُدنةِ الحاصلة بينَه وبينَ معاوية بن أبي سفيانَ فالتزمَ الوفاءَ بها ، وجرى في ذلكَ مجرى أَبيهِ أميرِ المؤمنينَ عليهالسلام وثبوتِ إِمامتهِ بعدَ النّبيِّ صلىاللهعليهوآله معَ الصّموتِ ، وِامامةِ أخيه الحسنِ عليهالسلام بعدَ الهُدنةِ معَ الكفِّ والسُّكوتِ ، وكانوا في ذلكَ على سنَن نبيِّ اللّهِ صلىاللهعليهوآله وهو في الشِّعب محصورٌ ، وعندَ خروجِه مهاجِرأ من مكّةَ مستخفِياً في الغار وهو من أعدائه مستورٌ.
فلمّا ماتَ معاويةُ وانقضتْ مُدَّةُ الهُدنةِ الّتي كانتْ تمنعُ الحسينَ ابنَ عليِّ عليهماالسلام منَ الدّعوةِ إِلى نفسه ، أظهرَ أمرَه بحسب الأمكاَنِ ، وأبانَ عن حقه للجاهلينَ به حالاً بحالٍ ، إِلى أنِ اجتمع لهَ في الظاهر الأنصارُ. فدعا عليهالسلام إِلى الجهادِ وشمّرَ (١) للقتالِ ، وتوجّه بولدِه وأهلِ بيتهِ من حرَمِ اللّهِ وحرَمِ رسولهِ نحوَ العراقِ ، للاستنصارِ بمن دعاه من شيعتهِ على الأعداءِ. وقدّمَ أمَامَهُ ابنَ عمِّه مُسلِمَ بنَ عقيلٍ ـ رضيَ اللهُ عنه وأرضاه ـ للدّعوةِ إِلى اللهِّ والبيعةِ له على الجهادِ ، فبايَعه أهلُ الكوفةِ على ذلكَ وعاهدوه ، وضَمِنُوا له النّصرةَ والنصّيحةَ ووَثَّقوا له في ذلكَ وعاقدوه ، ثمّ لم تطُلِ المُدّةُ بهم حتّى نكثوا بيعتَه وخذلوه وأسلموه ، فقُتِلَ بينهم ولم يمنعوه ، وخرجوا إِلى الحسين عليهالسلام فحصروه ومنعوه المسيرَفي بلادِ اللّهِ ، واضطرُّوه إِلى حيث لا يَجِدُ ناصراً ولا مَهْرباً منهم ، وحالوا بينَه وبينَ ماءِ الفُراتِ حتّى تمكَّنوا منه وقتلوه ، فمضى عليهالسلام ظَمآنَ مجاهداً صابراً
__________________
(١) في هامش «ش» : وتشمر.