المسْجدَ ، وكانَ في صَحْنِه نَبْقَةٌ (١) لم تَحْمِلْ بعدُ ، فدعا بكوُزٍ فيه ماءٌ فتَوَضَّأ في أَصْل النَبْقَةِ فصلى بالناسِ صلاةَ المغربِ ، فقَرَأَ في الأولى منها الحمد وِإذا جاء نصرُ اللهّ ، وقَرَأ في الثانية الحمد وقُلْ هو الله أحد ، وقَنَتَ قَبْلَ ركوعِه فيها ، وصَلّى الثالثة وتشًهَّدَ وسلَّمَ ، ثم جَلَسَ هُنيهَةً يَذْكُرُ اللهَ تعالى ، وقامَ من غير تعقيبٍ فصَلى النوافلَ أَربَعَ ركعاتٍ ، وعَقَّبَ بَعْدَها وسَجَدَ سَجْدَتَي الشُكر ، ثم خَرَجَ. فلمّا انتَهى إِلى النَبْقَةِ رَآها الناسُ وقد حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً فتَعجّبُوا من ذلك وأَكَلُوا منها فوَجَدُوه نَبْقاً حُلْواً لا عَجْمَ له.
وودَّعُوه ومَضى عليهالسلام من وَقْتِه إِلى المدينةِ ، فلم يَزَلْ بها إِلى أَنْ أَشْخَصَه المُعتصم في أَوّلِ سنةِ عشرين (٢) ومائتين إِلى بغداد ، فأَقامَ بها حتى تُوُفّي في اخرِ ذي القعدة من هذه السنةِ ، فدُفِنَ في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسى عليهالسلام (٣).
أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن أحمدَ بن إِدريس ، عن محمد بن حسّان ، عن عليِّ بن خالد قالَ : كُنْتُ بالعَسْكَر (٤) فبَلَغَني أَنَ هناكَ رَجُلاً مَحْبوساً أُتي به من ناحية الشام مَكْبُولاً ، وقالُوا : إِنَه تَنَبأ. قالَ : فَأَتَيْتُ البابَ ودارَيْتُ البوابينَ حتى وَصَلْتُ إِليه ، فإِذا رَجُلٌ له فَهْمٌ وعَقْلٌ ، فقُلْتُ له : يا هذا ما قِصَتُك؟ فقالَ : إِنّي كُنْتُ رَجُلاً بالشام أَعبُدُ اللّهَ في الموضع الذي يُقالُ : إِنّه نُصِبَ فيه رَأْسُ الحسين
__________________
(١) النبقة : النَبق ـ بفتح النون وكسر الباء ، وقد تسكّن : ثمر السدر «النهاية ـ نبق ـ ٥ : ١٠ ».
(٢) كان في النَسخ : سنة خمس وعشرين ، وما أثبتناه هو الصواب بقرينة ما في ص ٢٧٣ و ٢٩ من هذا الجزء؛ وانظر: الكافي ١ : ٤١١ و ٤١٦ / ١٢ ، تاريخ أهل البيت (ع) : ٨٥.
(٣) اعلام الورى : ٣٣٨ ، مناقب ال ابي طالب ٤ : ٣٩٠ ، الفصول المهمة : ٢٧٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠ : ٨٩.
(٤) العسكر : سامراء.