باب
طَرَفٍ من الأخبارِ عن مناقب
أَبي جعفر عليه السلامُ ودلائِلهِ ومُعْجِزاتِه
وكانَ المأمونُ قد شُعِفَ (١) بأَبي جعفر عليهالسلام لمّا رَأى مِن فضلهِ مع صِغَر سنِّه ، وبُلوغِه في العلمِ والحكمةِ والأَدبِ وكمالِ العقلِ ما لم يُساوِه فيه أحدٌ من مشايخ أَهلِ الزمانِ ، فزوّجه ابْنَتَه أُمَّ الفضلِ وحَمَلَها معه إِلى المدينةِ ، وكان مُتَوَفِّراً على إكرامِه وتعظيمِه وِإجلالِ قَدْرِه.
روى الحسنُ بن محمّد بن سليمان ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أَبيه ، عن الريان بن شبيب قالَ : لمّا أَرادَ المأمونُ أَن يُزوِّج ابْنَتَه أمَّ الْفَضْل أَبا جعفر محمد بن عليّ عليهماالسلام بَلَغَ ذلك العباسيّين فغَلُظَ عليهم واسْتَكْبَروه ، وخافُوا أَنْ يَنْتَهِيَ الأمرُ معه إِلى ما انتَهى مع الرضا عليهالسلام فخاضوا في ذلك ، واجْتَمَعَ منهم أَهلُ بيته الأدْنَونَ منه فقالوا له : ننشدُك اللّهَ ـ يا أَميرَ المؤمنين ـ (أَنْ تُقيمَ ) (٢) على هذا الأمرِ الذي قد عَزَمْتَ عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخَافُ أَن يَخْرُجَ به عنّا أَمرٌ قد ملَّكَنَاهُ اللّهُ ، ويُنْزَعَ مِنّا عزٌّ قد أَلبَسَناه اللهُّ وقد عَرَفْتَ ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاءُ الراشدون قَبْلَكَ من تبعيدهم والتصغيرِ بهم ، وقد كُنّا في وَهْلةٍ من عَمَلِك مع الرضا ما عَمِلْتَ ، حتى كَفانَا اللّهُ المهمَّ من ذلك ، فاللّهَ اللّهَ أَنْ تَرُدَّنا إِلى غمٍّ قد
__________________
(١) شعفت به وبحبه أي غشّى الحبُّ القلب من قوقه. «القاموس ـ شعف ـ ٣ : ١٥٩ ».
(٢) في هامش «ش» : أي أن لا تقيم.