عليه كتابُ قيسِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنه وكانَ قد أنفذَه مع عُبيدِاللهِ بنِ العبّاسِ عندَ مسيرِه منَ الكوفةِ ، ليَلقى معاويةَ فيَرُدَّه عنِ العراق ، وجعلَه أميراً على الجماعةِ وقالَ : «إِنْ أُصبتَ فالأميرُ قيسُ بنُ سعدٍ» فوصلَ كتابُ ابنِ سعدٍ يُخبِرهُ أنّهم نازَلوا معاويةَ بقريةٍ يُقالُ لها الحَبُونيّة ُ (١) بإزاءِ مَسْكِنَ (٢) ، وأنّ معاويةَ أرسلَ إِلى عبيدِاللهِ بنِ العبّاس يُرَغِّبًه في المصيرِ إليه ، وضَمِنَ له ألفَ ألفِ دِرْهمٍ ، يُعجِّلُ له منها النًّصفَ ، يُعطيه النِّصفَ الآخرَ عندَ دخوله الكوفةَ ، فانسلّ عُبيدُالله بن العبّاسِ في الليلِ إِلى مُعسكر (٣) معاويةَ في خاصّتِه ، وأصبجَ النّاسُ قد فَقَدُوا أميرَهم ، فصلّى بهم قيسٌ رضيَ اللهُ عنه ونظر َفي أُمورِهم.
فازدادتْ بصيرةُ الحسنِ عليهالسلام بخذلانِ القوم له ، وفسادِ نيّاتِ المُحكِّمةِ فيه بما أظهروه له من السّبَّ والتكفيرِ واستحَلالِ دمِه ونهب أموالهِ ، ولم يبقَ معَه من يَاْمَنُ غوائلَه إِلاّ خاصّة من شيعتهِ وشيعَةِ أبيه أميرِ المؤمنينَ عليهالسلام ، وهم جماعةٌ لا تقومُ لأجنادِ الشّام.
فكَتبَ إِليه معاويةُ في الهُدْنةِ والصُّلحِ ، وأنفذَ إِليه بكُتُبِ أصحابِه التّي ضَمِنوا له فيها الفتكَ به وتسليمَه إِليه ، واشترط له على نفسِه في إِجابتهِ إِلى صلحِه شروطاً كثيرةً وعقدَ له عُقوداً كانَ في الوفاءِ بها مصالحٌ
__________________
(١) كذا وردت في النسخ والصحيح : «الأخنونية» كما في تاريخ بغداد ١ : ٢٠٨ ، وقال في معجم البلدان ١ : ١٢٥ : موضع من أعمال بغداد ، قيل هي حَرْبى ، وفي ج ٢ : ٢٣٧ حَرْبى : بليدة في أقصى دُجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة.
(٢) مسكن : موضع قريب من أوانا على نهر دُجيل «معجم البلدان ٥ : ١٢٧».
(٣) في «م» و «ح » وهامش «ش» : عسكر.