فصبَّ فيه ماءً فقالَ له : اشربْ ، فأخذَ كلما شَربَ امتلأ القدحُ دماً مِنْ فيه فلا يقدر أن يشربَ ، ففعلَ ذلكَ مرّةً ومرّتينِ ، فلمّا ذهبَ في الثّالثةِ ليشربَ سقطتْ ثَنِيَّتاه في القدحِ ، فقالَ : الحمدُ للّهِ ، لوكانَ لي مِنَ الرِّزقِ المقسوم شربتهُ.
وخرجَ رسول ابَنِ زيادٍ فأمرَ بإِدخالهِ إِليه ، فلمّا دخلَ لم يسلّمْ عليه بالأمرةِ ، فقالَ له الحَرسِيُّ : ألا تُسلَمُ على الأميرِ؟ فقالَ : إِن كانَ يُريدُ قتلي فما سلامي عليه؟ وِان كانَ لا يُريدُ قتلي لَيَكثُرَنَ سلامي عليه. فقال له ابنُ زيادٍ : لَعَمْري لَتُقْتَلَنَّ ؛ قالَ : كذلكَ؟ قالَ : نعم ؛ قالَ : فدَعنْي أُوصِ (١) إِلى بعضِ قومي ؛ قالَ : افعلْ ، فنظرَ مسلمٌ إِلى جُلَسائه وفيهم عُمَرُ بن سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ فقالَ : يا عمر ، إِنّ بيني وبينَكَ قرابةً ، ولي إِليكَ حاجة ، وقد يَجِبُ لي عليكَ نُجْحُ حاجتي وهي سِرّ ؛ فامتنعَ عُمَرُ أن يَسمعَ منه ، فقالَ له عُبيدُاللّهِ :ِ لمَ تَمتنعُ أن تنظرَ في حاجةِ ابنِ عمِّكَ؟ فقامَ معَه فجلسَ حيثُ يَنظرُ إِليهما ابنُ زيادٍ ، فقالَ له : إِنَ عليَّ ديناً بالكوفةِ استدنتُه منذُ قَدمتُ الكوفةَ سبعمائةِ دِرهمٍ » فاقْضِها عنِّي ، واذا قُتِلْتُ فاستوهِبْ جُثّتي من ابنِ زيادٍ فوارِها ، وابعثْ إِلى الحسينِ من يَرُدُّه ، فإِنِّي قد كتبتُ إِليه أُعْلِمُه أنّ النّاسَ معَه ، ولا أراه إلاّ مُقبلاًَ؟ فقالَ عُمَرُ لابنِ زيادٍ : أتَدري أيُّها الأميرُ ما قالَ لي؟ إِنّه ذَكرَ كذا وكذا ، فقالَ له ابنُ زيادٍ : إِنّه لا يَخونُكَ الأمين ولكنْ قد يؤتَمَنُ (٢) الخائنٌ! أمّا مالُكَ فهو لكَ ولسنا نَمْنَعُكَ أن تَصنعَ به ما أحببتَ ، وأمّا جُثّتًه فإِنّا لا نُبالي إِذا قتلْناه ما صُنِعَ بها ، وأمّا حسينٌ فإِنْ هو لم يُرِدْنا لم
__________________
(١) في «ش» وهامش «م» : أوصي.
(٢) في «م» وهامش «ش» : يُتَّمَن.