عنّا العشيّةَ ، لعلّنا نصلِّي لربِّنا الليلةَ وندعوه ونستغفرُه ، فهو يَعلمُ أَنَي قد أُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِه والدُّعاءَ والاستغفارَ».
فمضى العبّاسُ إِلى القوم ورجعَ من عندِهم ومعَه رسولٌ من قبَل عمر بن سعدٍ يقول : إِنّا قد أجَّلناكم إِلى غدٍ ، فإِنِ استسلمتم سرَّحْناكم إلى أميرِنا عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ ، وإِن أَبيتم فلسنا تاركيكم ، وانصرفَ.
فجمعَ الحسين عليهالسلام أَصحابَه عندَ قربِ المساءِ. قالَ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ عليهالسلام : «فدنوتُ منه لأَسْمَعَ ما يقولُ لهم ، وأَنا إِذ ذاك مريضٌ ، فسمعتُ أَبي يقولُ لأصحابِه : أُثني على اللهِّ أَحسنَ الثّناءِ ، وأَحمده على السّرّاءِ والضّرّاءِ ، اللّهمَّ إِنِّي أحْمَدُكَ على أن أكرمْتَنا بالنُّبُوّةِ وعَلّمتنَا القرآنَ وفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ ، وجعلت لنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئدةً ، فاجعلْنا منَ الشّاكرينَ.
أَمّا بعدُ : فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أَهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أوصلَ من أَهلِ بيتي فجزاكم اللّهُ عنَي خيراً ، أَلا وإِنَي لأَظنَّ أَنّه اخرُ (١) يومٍ لنا من هؤلاءِ ، أَلا وإِنّي قد أَذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمامٌ ، هذا الليلُ قد غشِيَكم فاتّخِذوه جَملاً.
فقالَ له إِخوتُه وابناؤه وبنوأخيه وابنا عبدِاللهِّ بنِ جعفرٍ : لِمَ نفعلُ ذلكَ؟! لنبقى بعدَكَ؟! لا أَرانا اللهُّ ذلكَ أبداً. بدأهم بهذا القولِ العبّاس بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِّ عليه واتّبعتْه الجماعةُ عليه فتكلّموا بمثله ونحوِه.
__________________
(١) في «ش» و «م» : لأَظن يوماً. وما اثبتناه من «ح ».