انتصفَ النّهارُ ، فبينا هو يسيرُ إِذ كبّرَ رجلٌ من أصحابه فقالَ له الحسينُ عليهالسلام : «اللهُّ أكبرُ ، لِمَ كَبَّرت؟» قالَ : رأيت النّخلَ ، فقالَ له جماعةٌ من أصحابه : واللهِّ إِنّ هذا المكانَ ما رأينا به نخلةً قطّ ، فقالَ الحسينُ عليهالسلام : «فما تَرَوْنَه؟» قالوا : نراه واللّهِ آذانَ (١) الخيلِ ، قالَ : «أنا واللهِ أرى ذلكَ» ثمّ قالَ عليهالسلام : «ما لنا (٢) ملجأُ نلجأ إِليه فنجعله في ظهورِنا ، ونستقبل القومَ بوجهٍ واحدٍ؟» فقلنا : بلى ، هذا ذو حُسمى (٣) إِلى جنبِكَ ، تميلُ إِليه عن يسارِكَ ، فإِن سبقتَ إِليه فهوكما تُريدُ.
فأخذَ إِليه ذاتَ اليسارِ ومِلْنا معَه ، فما كانَ بأسرعَ من أن طلعتْ علينا (هوادي الخيل ) (٤) فتبيّنّاها وعدلْنا ، فلمّا رأوْنا عدلْنا عن الطريقِ عدلوا إِلينا كأنّ أسنّتَهم اليعاسيبُ (٥) ، وكأنّ راياتِهم أجنحةُ الطّيرِ ، فاستبقْنا إِلى ذي حسمى فسبقْناهم إِليه ، وأمرَ الحسينُ عليهالسلام بأبنيتهِ فضربَتْ.
__________________
(١) في «م» : أداني ، وقد كتب تحتها : جمع ادنى.
(٢) في هامش «ش» : أما لنا.
(٣) في هامش «م» : حُسْمى ـ هكذا في نسخة الشيخ.
وهامش آخر في «ش» و «م» : حِسْمَى بكسر الحاء جبال شواهق بالبادية ، قد ذكرها النابغة في شعره قال :
فاصبح عاقلاً
بجبال حسمى |
|
دقاق الترب مخترم
القتام |
وفي هامشهما كتبت : ذوجشَم ، ذوجَشَم ، جُسَم ، حُسْم ، وفي «م» : ذي حُسىً.
(٤) اقبلت هوادي الخيل : اذا بدت أعناقها. «الصحاح ـ هدى ـ ٦ : ٢٥٣٤».
(٥) اليعسوب : طائر أطول من الجرادة لا يضم « الصحاح ـ عسب ـ ١ : ٨١ » وفي هامش «ش» : الاصل في اليعسوب فحل النحل.