أَنفَه وسَيَّلَ الدِّماءَ على ثيابِه ، ونثرَلحمَ خدِّه وجبينهِ على لحيتهِ ، حتّى كسرَ القضيب. وضربَ هانئ يدَه إِلى قائم سيفِ شُرَطِيٍّ ، وجاذبَه الرّجلُ ومنَعه ، فقالَ عبيدُاللّهِ : أَحَرُوْرِيٌّ سائرَ اليوم؟ قد حلَّ لنا دمُكَ ، جرُّوه ، فَجرَّوه فألقَوْه في بيتٍ من بيوتِ الدّارِ ، وأَغلقوا عليه بابَه ، فقالَ : اجعلوا عليه حَرَساً ، ففُعِلَ ذلكَ به ، فقام إِليه حسّانُ بنُ أَسماء فقالَ له : أرُسُلُ غَدْرٍ سائرَ اليوم؟ أَمرْتَنا أَن نجيئكَ بالرّجلِ ، حتّى إِذا جئناك به هَشَمْت وجهَه وسيَّلتَ دماءه على لحيتِه ، وزعمتَ أَنّكَ تقتلُه. فقالَ له عُبيدُاللهِّ : ِوانّكَ لَهاهنا ، فأَمَرَ به فلُهِز (١) وتُعْتِعَ (٢) ثمّ أُجلسَ ناحيةً. فقالَ محمّدُ بنُ الأشعثِ : قد رَضِيْنا بما راه (٣) الأَميرُ ، لنا كانَ أَو علينا ، إِنّما الأميرُ مؤدِّبٌ.
وبلغَ عمرو بنَ الحجّاجِ أَنّ هانئاً قد قُتِلَ ، فأَقبلَ في مَذْحِج حتّى أَحاطَ بالقصرِ ومعَه جمعٌ عظيمٌ ، ثمّ نادى : أَنا عمرو بنُ الحجّاجِ ، وهذه فُرسانُ مَذْحِج ووُجوهُها ، لم تَخلعْ طاعةً ، ولم تُفارقْ جماعةً ، وقد بلغَهم أَنّ صاحبَهم قد قُتِلَ فأَعظَموا ذلكَ. فقيلَ لعبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ : هذه مَذْحِج بالباب ، فقال لشريحٍ القاضي : ادخلْ على صاحبهم فانظُرْ إِليه ، ثمّ اخرُجْ وأَعلِمْهم أَنّه حيٌّ لم يُقتَلْ. فدخلَ فنظرَ شُريحٌ إِليه ، فقالَ هانئ لمّا رأَى شُريحاً : يا للهِّ! يا للمسلميمنَ! أَهَلَكَتْ عشيرتي؟! أَينَ أَهلُ الدِّين؟! أَينَ أَهلُ البَصَر (٤)؟! والدِّماءُ تَسيلُ على
__________________
(١) اللهز: الضرب بجمع اليد في الصدر «الصحاح ـ لهز ـ ٣ : ٨٩٤».
(٢) تعتعه : حرّكه بعنف. «القاموس ـ تعع ـ ٣ : ٩».
(٣) في « م » وهامش « ش » رأى.
(٤) في « م » وهامش « ش » : المصر.