وتكلّمَ جماعةُ أصحابه (١) بكلام يُشبهُ بَعضُه بعضاً في وجهٍ واحدٍ ، فجزّاهم الحسينُ عليهالسلام خيراً وَانصرفَ إلى مضِربه (٢) ».
قالَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام : «اِنيّ لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أبي في صبيحتِها ، وعندي عمّتي زينبُ تمرّضني ، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له وعندَه جُويْنٌ مولى أبي ذرٍّ الغفار وهويُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأبي يقولُ :
يَادَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ |
|
كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصِيْلِ |
مِنْ صَاحِبٍ أوْ طَالِبِ قَتِيْلِ |
|
وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بالْبَدِيْل |
وانَّمَا الأمْرُ إِلى الجَلِيْلِ |
|
وَكلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيْلِيْ |
فأعادَها مرّتينِ أو ثلاثاً حتّى فهِمْتُها وعَرفْتُ ما أرادَ ، فخنقَتْني العَبْرةُ فردَدْتُها ولزمتُ السُّكوتَ ، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزلَ ، وأمّا عمّتي فإنهّا سَمِعَتْ ماسَمِعْتُ وهيَ امرأةٌ ومن شاْنِ النساءِ الرّقّةُ والجَزعُ ، فلم تَملِكْ نفسَها أنْ وَثَبَتْ تجرُّثوبَها (٣) وأنّها لَحاسرة ، حتّى انتهتْ إِليه فقالتْ : وا ثكْلاه! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ ، اليومَ ماتْتْ أُمِّي فاطمةُ وأبي عليّ وأخي الحسنُ ، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي. فنظرَ إِليها الحسينُ عليهالسلام فقالَ لها : يا أُخيَّةُ لا يذْهِبَنَ حلمَكِ الشّيطانُ ، وتَرَقْرَقَتْ عيناه بالدُموعِ وقالَ : لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ (٤) ؛ فقالتْ : يا ويلتاه!
__________________
(١) في هامش «ش» : من أصحابه.
(٢) المضرب : الفسطاط أو الخيمة «القاموس المحيط ـ ضرب ١ : ٩٥».
(٣) في «م» وهامش «ش» : ذيولها.
(٤) يضرب مثلاًَ للرجل يُستثار فيُظْلَم. انُظر جمهرة الامثال للعسكري ٢ : ١٩٤ / ١٥١٨.