ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية ، وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والإباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية ، لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه ، فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا ، فهي وإن كانت جارية إلّا أن ذاك الحكم لا يترتب ، لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها ، وهذا ليس بالاشتراط.
وأما اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر ، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن
______________________________________________________
بجريانه وإثبات النجاسة بذلك ؛ لأنّ الموضوع لانفعال الماء هو الماء إذا لم يكن كرا ، كما هو مقتضى مفهوم قولهم عليهمالسلام «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (١) وكون الماء المزبور ملاقيا للنجاسة محرز بالوجدان ، وعدم كونه كرا محرز بالأصل ، فيتم موضوع الانفعال ، وأما مع إحراز كون الماء كرا وإحراز ملاقاته للنجاسة والشك في التقدم والتأخر ، فيقال بأن الاستصحاب في عدم كرية الماء إلى زمان الملاقاة معارض بالاستصحاب في عدم ملاقاته للنجاسة إلى زمان حدوث الكرّية فيتساقطان ويرجع إلى أصالة الطهارة في الماء ، هذا مع الجهل بتاريخ حدوثهما ، وأما مع العلم بتاريخ أحدهما فيجري الاستصحاب في ناحية عدم الآخر إلى زمانه فيحكم بمقتضاه ، ولكن الصحيح الحكم بنجاسة الماء في فرضي الجهل بتاريخهما أو تاريخ أحدهما لجريان الاستصحاب في عدم كرّيته عند ملاقاته النجاسة ، والاستصحاب في عدم ملاقاته إلى زمان الكرّية لا يثبت ملاقاتها المزبورة التي كانت عند الكرّية حتى لا ينفعل ، وتمام الكلام في بحث الفقه.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ١٥٨ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الأحاديث ١ و ٢ و ٥.