فالموت هو مضاد الحياة ، يبطل معه النمو ، ويستحيل معه الاحساس ، وهو من فعل الله تعالى ، ليس لاحد فيه صنع ، ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ، قال الله سبحانه : « وهو الذي يحيى ويميت » (١) فأضاف الاحياء والاماتة إلى نفسه ، وقال : « الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا » (٢) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس ، ويصح معها القدرة والعلم ، والموت ما استحال معه النمو والاحساس ، ولم يصح معه القدرة والعلم ، وفعل الله تعالى الموت بالاحياء لنقلهم من دار العمل والامتحان إلى دار الجزاء والمكافاة ، وليس يميت الله عبدا إلا وإماتته أصلح له من بقائه ، ولا يحييه إلا وحياته أصلح له من موته ، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في التدبير ، وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالالآم الشديدة قبل الموت ويعفي آخرين من ذلك ، وقد يكون الالم المتقدم للموت ضربا من العقوبة لمن حل به ، ويكون استصلاحا له ولغيره ، ويعقبه نفعا عظيما وعوضا كثيرا ، وليس كل من صعب عليه خروج نفسه كان بذلك معاقبا ، ولا كل من سهل عليه الامر في ذلك كان به مكرما مثابا ، وقد ورد الخبر (٣) بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين ، وتكون عقابا للكافرين ، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا للكافرين ، وضربا من ثواب المؤمنين ، وهذا أمر مغيب عن الخلق ، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته فيه ، تنبيها له حتى يميز له حال الامتحان من حال العقاب ، وحال الثواب من حال الاستدراج ، تغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكمي في الخلق.
فأما ما ذكره أبوجعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم فقد جاءت الآثار به على التفصيل ، وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ ، و الموت على كل حال أحد بشارات المؤمن ، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم ، وبه يصل إلى ثواب الاعمال الجميلة في الدنيا ، وهو أول شدة تلحق الكافر من شدائد العقاب
__________________
(١) المؤمن : ٦٨.
(٢) الملك : ٢.
(٣) تقدم في الباب أخبار عديدة تدل على ذلك.