فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ (١) فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : ياشاب ويل (٢) لك من ديان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتنى من حفرتي وسلبتنى أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابى ، فويل لشبابك من النار!. فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا فما ترى لي يارسول الله؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : تنح عني يافاسق ، إني أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار! ثم لم يزل عليهالسلام يقول ويشير إليه حتى امعن من بين يديه ، فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحا (٣) وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يارب هذا عبدك بهلول ، (٤) بين يديك مغلول ، يارب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم سيدي! يارب أصبحت (٥) من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي! ولا تبطل دعائي ولا تقنطنى من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك ، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني ، أو عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلىاللهعليهوآله : « والذين إذا فعلوا فاحشة » يعني الزنا « أو ظلموا أنفسهم » يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ،
__________________
(١) الورك بالفتح والكسر وككتف : ما فوق الفخذ ، والجمع أوراك.
(٢) الويل : حلول الشر. الهلاك. ويدعى به لمن وقع في هلكة يستحقها ، وكلمة عذاب وواد في جهنم ، أو بئر أو باب لها.
(٣) بكسر الميم وسكون السين ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد.
(٤) لعله بمعنى المبتهل والمتضرع ، أو بمعنى الملعون ، أو كان الرجل يسمى بذلك. وأما ما في المعاجم وكتب اللغة من أنه بمعنى الضحاك والسيد الجامع لكل خير فلا يناسب المقام.
(٥) في المصدر : انى اصبحت. م