يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شئ إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها لم يتكأده صنع شئ منها إذ صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما خلقه وبرأه ، ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شئ منها عليه ، لم يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا استعانة بشئ منها عليها.
أقول : قد مرت الخطبة بتمامها وشرحها في كتاب التوحيد.
تتميم : اعلم أن ظاهر هذا الخبر فناء جميع المخلوقات عند انقضاء العالم كما هو مذهب جماعة من المتكلمين ، قال شارح المواقف : قد سبقت في مباحث الجسم إشارة إلى أن الاجسام باقية غير متزايلة على ما يراه النظام ، وقابلة للفناء غير دائمة البقاء على ما يراه الفلاسفة قولا بأنها أزلية أبدية ، والجاحظ وجمع من الكرامية قولا بأنها أبدية غير أزلية ، وتوقف أصحاب أبي الحسين في صحة الفناء ، واختلف القائلون بها في أن الفناء بإعدام معدم أو بحدوث ضد أو بانتفاء شرط ، أما الاول فذهب القاضي وبعض المعتزلة إلى أن الله تعالى يعدم العالم بلا واسطة فيصير معدوما كما أوجده كذلك فصار موجودا ، وذهب أبوالهذيل إلى أنه تعالى يقول له : افن فيفنى ، كما قال له : كن فكان ، وأما الثاني فذهب جمهور المعتزلة إلى أن فناء الجوهر بحدوث ضد له هو الفناء ، فذهب ابن اخشيد إلى أن الفناء وإن لم يكن متحيزا لكنه يكون حاصلا في جهة معينة ، فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها ، وذهب ابن شبيب إلى أن الله تعالى يحدث في كل جوهر فناءا ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني ، وذهب أبوعلي وأتباعه إلى أنه يخلق بعدد كل جوهر فناءا