فإن قال : فلم يرفع اليدان في التكبير؟ قيل : لان رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع ، فأوجب الله (١) عزوجل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا متضرعا ، مبتهلا ، ولان في وقت رفع اليدين احضار النية وإقبال القلب على ما قال وقصد.
أقول : في العلل : لان الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح وكل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدون الفرض. ولنرجع إلى المشترك.
فإن قال : فلم جعل صلاة السنة أربعا وثلاثين ركعة؟ قيل : لان الفريضة سبع عشر ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة ، كمالا للفريضة.
فإن قال : فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ، ولم تجعل في وقت واحد؟ قيل : لان أفضل الاوقات ثلاثة : عند زوال الشمس ، وبعد المغرب ، وبالاسحار ، فأحب (٢) أن يصلى له في كل هذه الاوقات الثلاثة ، لانه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت واحد.
فإن قال : فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين ، وإذا كانت بغير
إمام ركعتين وركعتين؟ قيل : لعلل شتى :
منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة (٣) من بعد ، فأحب الله عزوجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.
ومنها أن الامام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ، ومن انتظر الصلاة فهو في صلاة (٤) في حكم التمام.
ومنها أن الصلاة مع الامام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله.
ومنها أن الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان ، ولم تقصر لمكان الخطبتين.
فإن قال : فلم جعلت الخطبة؟ قيل : لان الجمعة مشهد عام ، فأراد أن يكون الامام سببا لموعظتهم « للامير سبب إلى موعظتهم خ ل » وترغيبهم في الطاعة ، وترهيبهم من
__________________
(١) في المصدرين فاحب الله. م
(٢) في العلل : فاوجب. م
(٣) أين يتجاوزون ويتسابقون إليها.
(٤) في العلل : في الصلاة. م