وإني إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
والذي ذكره أبوعمرو مذهب الكرام ، ومستحسن عند كل أحد خلف الوعيد ، كما قال السري الموصلي :
إذا وعد السراء أنجز وعده |
|
وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه |
وأحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال : الوعد والوعيد حق ، فالوعد حق العباد على الله تعالى ، إذ من ضمن أنهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا فالوفاء حقهم عليه ، ومن أولى بالوفاء من الله؟ والوعيد حق على العباد ، قال : لا تفعلوا كذا فاعذبكم ، ففعلوا فإن شاء عفا وإن شاء أخذ لانه حقه وهو أولى بالعفو والكرم ، إنه غفور رحيم. انتهى لفظه.
وقيل : إن المحققين على خلافه ، كيف وهو تبديل للقول؟ وقد قال الله تعالى « ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ». (١)
قلت : إن حمل آيات الوعيد على إنشاء التهديد فلا خلف لانه حينئذ ليس خبرا بحسب المعنى ، وإن حمل على الاخبار كما هو الظاهر فيمكن أن يقال : بتخصيص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد بالدلائل المنفصلة ، ولا خلف على هذا التقدير أيضا ، فلا يلزم تبدل القول ، وأما إذا لم نقل بأحد هذين الوجهين فيشكل التفصي عن لزوم التبدل والكذب ، اللهم إلا أن يحمل آيات الوعيد على استحقاق ما أوعد به ، لا على وقوعه بالفعل وفي الآية المذكورة إشارة إلى ذلك حيث قال : « فجزاؤه جهنم خالدا فيها » انتهى.
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب العيون والمحاسن : حكى أبوالقاسم الكعبي في كتاب الغرر عن أبي الحسين الخياط قال : حدثني أبومجالد قال : مر أبوعمرو بن العلاء بعمرو بن عبيد وهو يتكلم في الوعيد قال : إنما أتيتم من العجمة لان العرب لا يرى ترك الوعيد ذما ، وإنما يرى ترك الوعد ذما ، وأنشد :
وإني وإن أوعدته ووعدته |
|
لاخلف إيعادي وانجز موعدي |
قال : فقال له عمرو : أفليس تسمى تارك الايعاد مخلفا؟ قال : بلى ، قال : فتسمي
__________________
(١) ق : ٢٩.