المعلوم أن السبب لشيء غير موقوف تأثيره على العلم بسببيته ، إذ الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية لا تتوقف على ذلك ، فمن ادعى ان قصد ذلك من تمام السببية شرعا كان عليه الدليل ، بل هو خلاف ظاهر الأدلة من الكتاب والسنة ، لاشتمالها على الوضوءات البيانية وغيرها من قوله عليهالسلام (١) : « لا ينقض الوضوء إلا حدث » و « من توضأ وضوئي هذا » (٢) ونحو ذلك ، فتأمل.
وأما اشتراك الوضوء بينه وبين غير الرافع ففيه انه ليس اشتراكا موجبا لتعدد الفعل في وقت واحد حتى يوجب التمييز ، بل الرافعية وعدمها انما هي أوصاف لاحقة له في الخارج مستفادة من الشارع لا دخل لترتبها بالنية ، ضرورة انه بمنزلة أن يقول هذه الأفعال ان صادفت موضوعا ليس متلبسا إلا بالحدث الأصغر رفعته ، وإلا فلا ترفع ، فهو أي الرفع وعدمه حكم من الشارع خارجي قد يعلمه المكلف ، وقد يجهل به ، وفى الحالتين يؤثر الوضوء أثره ، بل يمكن ان يقال فيما لو فرض مكلف زعم نفسه جنبا مثلا فتوضأ مع ذلك وضوء الجنب ثم بان له انه ليس جنبا : بارتفاع حدثه وصحة وضوئه كما لو كان العكس يكون صوريا ، لما عرفت من أن تسبيب ذلك ليس دائرا مدار القصد ، وقصد التعيين ليس منحصرا في قصد رفع الحدث ، بل تكفي نية الاستباحة عنه ، لتلازمهما كما ستسمعه في كلام أهل القول بالتخيير.
وأما القول بأنه ان لم ينو لم يقع ففيه انه مصادرة ، بل الرواية ظاهرة في أن من قصد شيئا وقع له ، فمن قصد الوضوئية تقع له ، ومتى وقعت له ارتفع الحدث ، لعدم اجتماعهما في موضوع لم يكن متلبسا إلا بالحدث الأصغر الغير الدائم ، مع احتماله فيه في وجه أيضا ، ولمكان التلازم في الخارج بين رفع الحدث واستباحة المشروط بالطهارة خير بعضهم بينهما ، وهو المذهب الثاني ، وهو مختار الشيخ في المبسوط ، وتبعه عليه
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٤.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.