عقيم ، وقد آليت على نفسي ألاّ امسي عشيّتي هذه أو أفرغ منه ، قال محمّد : فو الله لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها ، ثمّ دعا سيّافا وقال له : إذا انا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحديث ووضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بينى وبينك فاضرب عنقه ، ثمّ أحضر أبا عبد الله عليهالسلام في تلك الساعة ولحقته في الدار وهو يحرّك شفتيه فلم أدر ما الذي قرأ ، فرأيت القصر يموج كأنه سفينة في لجج البحار ، ورأيت أبا جعفر المنصور وهو يمشي بين يديه حافي القدمين مكشوف الرأس قد اصطكت أسنانه وارتعدت فرائصه ، يحمرّ ساعة ويصفرّ اخرى ، وأخذ بعضد أبي عبد الله وأجلسه على سرير ملكه وجثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي مولاه ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟ قال : جئتك يا أمير المؤمنين طاعة لله ولرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأمير المؤمنين أدام الله عزّه (١).
قال : ما دعوتك ، والغلط من الرسول ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقال : أسألك ألاّ تدعوني لغير شغل ، قال : لك ذلك وغير ذلك ، ثمّ انصرف أبو عبد الله عليهالسلام سريعا ، وحمدت الله عزّ وجل كثيرا ، ودعا أبو جعفر المنصور بالدواويج (٢) ونام ولم ينتبه إلاّ في نصف الليل ، فلمّا انتبه كنت عند رأسه جالسا فسرّه ذلك ، وقال : لا تخرج حتّى أقضي ما فاتنى من صلاتي فاحدّثك بحديث ، فلمّا قضى صلاته أقبل على محمّد وحدّثه بما شاهده من الأهوال التي افزعته عند مجيء الصادق ، وكان ذلك سببا لانصرافه عن قتله وداعيا لاحترامه والاحسان إليه.
يقول محمّد : قلت له : ليس هذا بعجيب يا أمير المؤمنين ، فإن أبا عبد الله
__________________
(١) لا بدع لو قال له : طاعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ، وإن لم تكن للمنصور طاعة ، لأن الخوف على النفس والنفيس يلزمه بالمجيء ، فتكون المحافظة عليهما واجبة والتخلّف إلقاء بالتهلكة ..
(٢) بالجيم المعجمة جمع دواج كرمان وكغراب : اللحاف الذي يلبس ..