الفصول الماضية من سيرته وأخلاقه قدر جهاده في التعليم والتثقيف وجهوده في البرّ والعطف والتربية الأخلاقيّة ، وستعرف في المختار من كلامه عظيم اهتمامه في حمل الناس على جدد الطريق ، والعمل بالشريعة الغرّاء ، والاتّصاف بفاضل الأخلاق.
لم تكن في أيام الصادق عليهالسلام حروب يحتم الدين عليه الولوج في ميادينها ليعرف الناس عنه تلك الملكة النفسيّة ، نعم إن هناك ظواهر تدلّ على تلك القوى الراسخة ، أمثال قوّة القلب واطمئنان الجأش ، ومرّ عليك في مواقفه مع المنصور وولاته من ص ١١٤ ـ ١٢٢ ، وفي جلده ما ينبيك عن تلك القوى الغريزيّة ، والجبن إنما يكون من ضعف القلب وضعة النفس.
ومن ثمّ يجب أن يكون المؤمن شجاعا غير هيّاب ولا نكل في سبيل الدين والحق ، وكلّما كان أقوى إيمانا كان أبسل وأشجع ولذلك تجد أنصار الحسين عليهالسلام وأهل بيته أبهروا العالم في موقفهم يوم الطف ، وما كانوا أشجع الناس لو لا ذلك الإيمان الثابت واليقين الراسخ والتوطين على معانقة الرماح والسيوف ، ولو كان أهل الكوفة على مثل ذلك اليقين والتوطين والإيمان لما استقامت الحرب الى ما بعد الظهر في ذلك اليوم القايض وهم سبعون ألفا والأنصار سبعون نفرا ، ولما كان قتلى أهل الكوفة لا يحصون عدّا.
ومن هاهنا يستبين لنا أن الصادق لا بدّ أن يكون أشجع الناس وأربطهم جأشا اذا دارت رحى الحرب ، الحرب التي يفرضها الدين وتدعو إليها الشريعة.