الصادق والمحن
كفى في امتحان أهل الدين هذا التصارع الدائم بين الدين والدنيا وقلّما ائتلفا في عصر ، ولولاه لما كانت التقيّة ، ولما كانت تلك الفوادح النازلة بساحة أهل البيت.
ليس الصراع بين أهل البيت وبين اميّة والعبّاس غريبا ما دام أهل البيت مثال الدين ، واولئك مثال الدنيا.
يعلم المروانيّون والعبّاسيّون أن الصادق عليهالسلام زعيم هذا التصارع ولئن صمت عن مصارعتهم بالحراب فلا يكفيهم أمانا من حربه لهم ، ولربما كان الصمت نفسه أداة الصراع أو هو الصراع نفسه ، فإن السكوت قد يكون جوابا كما يقولون.
فمن ثمّ تجدهم يوجّهون إليه عوادي المحن كلّ حين ، وما كفّهم عن تعاهده بالأذى ذلك الانعزال والانشغال بالعبادة والعلم ، فإن هذا الشغل هو سلاح الحرب ، لأنه ظاهرة الدين وبه تتّجه الأنظار إليه ، وكلّما ارتفع مقام الصادق قويت شوكة الدين ، وإذا قوي الدين انصرع أهل الدنيا.
ولو لا تشاغل الامويّين بالفتن بينهم لما أبقوا على الصادق عليهالسلام ، كما لم يبقوا على آبائه ، أجل كأنهم تركوا ذلك إلى أبناء عمّه الأقربين ،