فقال له ابن أبي العوجاء : أنا غير مصنوع ، فقال له الصادق عليهالسلام : فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ فبقي مليّا لا يحير جوابا وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول : طويل عريض عميق قصير متحرّك ساكن ، كلّ ذلك من صفة خلقه ، فقال له الصادق عليهالسلام : فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك ممّا يحدث من هذه الامور ، فقال ابن أبي العوجاء : سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك ، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها (١).
أقول : إن إثبات هذه العوارض على الانسان لكونه مصنوعا ظاهر ، لأن طوله بعد القصر واختلافه في العمق والعرض آنا بعد آخر ، وسكونه مرّة وحركته اخرى أحداث دلّت على وجوده بعد العدم ومصنوعيّته بعد أن لم يكن ، ولا بدّ للمصنوع من صانع وللمخلوق من خالق.
لعلّ شبهة التجسيم جاءت من قبل بعض الزنادقة فدخلت في بعض معتقدات أهل الآراء والمذاهب من المسلمين ، الذين يجمدون في الدين على الظواهر ، فإن أهل الزندقة لمّا خابوا في الدعوة الى التعطيل والإلحاد أفلحوا في دسّ هذه الشبهة ، لأنّا نجد الكلام عنها كثيرا في ذلك العصر ، ونقرأ الكثير عنها في الأسئلة التي توجّه الى الإمام ، فمن ذلك قوله في الجواب عن هذه الشبهة : إن الجسم محدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ، فاذا احتمل الحدّ احتمل الزيادة والنقصان ، واذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا.
__________________
(١) توحيد الصدوق : باب إثبات حدوث العالم ..