أقول : حقيق بأن يغتنم أرباب المعارف جلائل هذه الحكم كما اغتنمها المفضّل ، فقد أوضح فيها أبو عبد الله من حكم الأسرار وأسرار الحكم ما خفي على الكثير علمه وصعب على الناس فهمه.
وهذه الدروس كما دلّتنا على الحكيم في صنائعه تعالى أرشدتنا الى إحاطته عليهالسلام بفلسفة الخلقة ، بل تراه في هذه الدروس فيلسوفا إلهيّا ، وعالما كلاميا ، وطبيبا نطاسيّا ، ومحلّلا كيمياويّا ، ومشرّحا فنّيّا ، وفنّانا في الزراعة والغرس ، وعالما بما بين السماء والأرض من مخلوقاته ، وقادرا على التعبير عن أسرار الحكم في ذلك الخلق.
سميّ هذا التوحيد بالاهليلجة لأن الصادق عليهالسلام كان مناظرا فيه لطبيب هندي في إهليلجة كانت بيد الطبيب ، وذلك أن المفضّل بن عمر كتب الى الصادق عليهالسلام يخبره أن أقواما ظهروا من أهل هذه الملّة يجحدون الربوبيّة ويجادلون على ذلك ، ويسأله أن يردّ عليهم قولهم ويحتجّ عليهم فيما ادّعوا بحسب ما احتجّ به على غيرهم.
فكتب إليه الصادق فيما كتب : وقد وافاني كتابك ورسمت لك كتابا كنت نازعت فيه بعض أهل الأديان من أهل الإنكار ، وذلك أنه كان يحضرني طبيب من بلاد الهند ، وكان لا يزال ينازعني في رأيه ويجادلني عن ضلالته ، فبينا هو يوما يدقّ إهليلجة ليخلطها دواء احتجت إليه من أدويته إذ عرض له شيء
__________________
في المطبعة الحيدريّة في عام ١٣٦٩ ه. والشواهد على نسبة هذا التوحيد الى الصادق عليهالسلام كثيرة ليس هذا محلّ ذكرها ..