لاعتزل الأمر لئلاّ يبوء بإثم هذه الامّة ، ولكنه أراد أن يستصفي الصادق ويجعله من أتباعه ، فيعلم الناس أنه الامام غير مدافع ، وتنقطع الشيعة عن مراجعة الصادق ، ويظهر لهم أنه تبع للمنصور ، والامام لا يكون تبعا لأرباب السلطان باختياره ، والصادق لا يخفى عليه قصد المنصور.
وكلمته هذه تعطينا درسا بليغا عن مواقف الناس مع الملوك والامراء وعن منازل المتزلّفين إليهم ، وكيف يجب أن تكون مواقف رجال الدين معهم.
واستقدمه المنصور مرّة وهو غضبان عليه ، فلمّا دخل عليه الصادق عليهالسلام ، قال له : يا جعفر قد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال.
لأبيك عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ إلاّ أخذوا من تراب قدميك يستشفون به ، وقال علي عليهالسلام : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبّ غال ومبغض مفرط ، قال ذلك اعتذارا منه أنه لا يرضى بما يقول فيه الغالي والمفرط ، ولعمري أن عيسى بن مريم عليهالسلام لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لعذبه الله ، ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان ، وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديّان ، زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس أنك حبر الدهر وناموسه ، وحجّة المعبود وترجمانه ، وعيبة علمه وميزان قسطه ، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور ، وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدّك في الدنيا عملا ، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك إلى غير حدّك ، وقالوا فيك ما ليس فيك ، فقل فإن أوّل من قال الحقّ جدّك ، وأوّل من صدقه عليه أبوك ، وأنت حريّ أن تقتصّ آثارهما ، وتسلك سبيلهما.
فقال عليهالسلام : أنا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت