عجزت حواسّي عن إدراك الله صدّقت به ، قال : وكيف ذلك؟ قلت : لأن كلّ شيء جرى فيه أثر التركيب لجسم أو وقع عليه بصر للون (١) فما أدركته الأبصار ونالته الحواس فهو غير الله سبحانه لأنه لا يشبه الخلق ولا يشبهه الخلق ، وأن هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال ، وكلّ شيء أشبه التغيير والزوال فهو مثله ، وليس المخلوق كالخالق ، ولا المحدث كالمحدث (٢).
ثمّ أن الصادق عليهالسلام قال : قلت له : أخبرنى هل أحطت بالجهات كلّها وبلغت منتهاها؟ قال : لا ، قلت : فهل رقيت الى السماء التي ترى ، أو انحدرت الى الأرض السفلى فجلت في أقطارها؟ أو هل خضت في غمرات البحور واخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء أو تحتها إلى الأرض وما أسفل منها ، فوجدت ذلك خلاء من مدبّر حكيم عالم بصير؟ قال : لا ، قلت : فما يدرك لعلّ الذي انكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسّك ولم يحط به علمك ، قال : لا أدري لعلّ في بعض ما ذكرت مدبّرا وما أدري لعلّه ليس في شيء من ذلك شيء.
أقول : ربّما يتوهّم بأن في كلام الصادق هذا إشعارا بالتجسيم لأنه جوّز أن يكون في جهة معيّنة وهو من شئون الجسم ، ولكن ذلك كان منه إنكارا على الطبيب الذي يريد أن يستدلّ على عدم الوجود بعد الوجدان ، وإنما أراد الصادق أن يكذّب دعواه بعدم الوجدان فيورد عليه احتمال وجوده في جهة لم يصل إليها الطبيب ، وأن احتمال وجوده في جهة كاف في ردّ دعواه بعدم الوجدان ، وهذا من باب الإلزام للخصم وإبطال حجّته لا من باب إثبات وجوده في جهة ، وقد
__________________
(١) اللام في لجسم وللون لام الابتداء المفتوحة وجسم ولون خبر أن ..
(٢) الأول اسم مفعول وهو بفتح الدال والثاني بكسره وهو اسم فاعل ..