طعامنا وطعام الأنبياء (١) الى أمثال ذلك من مظاهر الزهد.
إن من قبض عنان نفسه بيده وتجرّد عن هذه الفتن الخدّاعة في هذه الحياة ، واتجه بكلّ جوارحه لرضى خالقه يستكثر منه اذا روت الثقات عنه هذا وأشباهه.
وما كان غريبا ما يروى من دخول سفيان الثوري (٢) عليه ، وكان على الصادق عليهالسلام جبّة من خز ، وقول سفيان منكرا عليه : إنكم من بيت نبوّة تلبسون هذا ، وقول الصادق عليهالسلام : ما تدري أدخل يدك ، فاذا تحته مسح من شعر خشن ، ثمّ قال عليهالسلام : يا ثوري أرني ما تحت جبّتك ، فإذا تحتها قميص أرقّ من بياض البيض ، فيخجل سفيان ثمّ يقول له الصادق عليهالسلام : يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرّنا ونضرّك (٣).
وأمثال هذا ممّا روي عنه جمّ كثير ، نحن في غنى عن سرده ، فإنّ سادات أهل البيت أعلى كعبا ، وأرفع شأنا ، من أن تحسب مثل هذه الشؤون فضائلهم الجليلة.
وأمّا سفيان فجدير بالامام ألاّ يرغب في دنوّه ما دام يخالفه في رأيه وسيره وعمله وعلمه ، وأمّا الضرر على الامام وعليه من دخوله على الامام ، فلأن السلطان قد وقف للإمام بالمرصاد ، لا يريد أن يظهر له شأن ولا أن يكثر عليه التردّد ، فالدخول عليه يجعل الإمام معرّضا للخطر ، ويجعل الداخل معرّضا للأذى ، لا سيّما اذا كان الداخل ذا شأن ومقام بين الناس كسفيان الثوري.
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٣٢٨ / ٤ ..
(٢) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي الشهير وله رواية عن الصادق عليهالسلام ولد أيّام عبد الملك ، ومات بالبصرة عام ١٦١ ..
(٣) لواقح الأنوار ومطالب السؤل وحلية الأولياء : ٣ / ١٩٣ وقد روي إنكاره على الإمام حسن بزّته من طرق عديدة وفي كيفيّات عديدة ، ولعلّها كانت متعدّدة ، فلا يمتنع في الثانية بعد جوابه في الأولى ، وممّن روى ذلك أبو نعيم في حلية الأولياء : ٣ / ١٩٣ وقد ذكرنا مناظرة الصادق عليهالسلام الطويلة في الزهد مع سفيان وجماعته في اخريات حياته العلميّة ..