ولقد شاءت ارادته تعالىٰ أن يجعل المسجد مبدأ إسراء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعراجه إلىٰ السماء ليريه من آياته العظمىٰ ويثبت له معجزة في ذلك قال تعالىٰ : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا.. ) (١).
إنّ للسجود هيئةً وحالةً وذكراً ، تنطوي علىٰ جملة أسرارٍ تتجلىٰ للإنسان المؤمن من خلال صلاته بمقدار درجة الاقبال وحضور القلب ووعي تامّ لما يقوم به من حركات وما يتلفّظه من كلمات.
أ ـ فهيئته : إراءة حالة التواضع وترك الاستكبار والعجب من خلال وضع الجبهة علىٰ الأرض وإرغام الأنف ـ وهو من المستحبات الأكيدة ـ إظهارا لكمال التخضّع والتذكّر والتواضع.
ب ـ وأما الحالة : فهي وضع أعضاء السجود السبعة علىٰ الأرض ، وبما أنّ تلك الأعضاء تعدّ مظهراً لعقل الإنسان وقدرته وحركته ، فيكون إرغامها علىٰ التذلل والخضوع والمسكنة عبر السجود لله عزَّ وجلّ مظهراً من مظاهر التسليم التام له سبحانه ، وهذا يعني شعور العبد بالندم والتوبة وطلب المغفرة والابتعاد عن الخطيئة بشتىٰ أشكالها ، ومع حصول تلك المعاني في نفس الساجد ، فلاشكّ أنه سيشعر بحالة من الاُنس ورهبة حقيقية تمنعه من العدول إلىٰ ارتكاب المعصية من جديد.
ج ـ وأما الذكر : وهو ( سبحان ربي الأعلىٰ وبحمده ) فإنّه متقوّم بالتسبيح
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ١.