إنّ من المناسب أن نقف قليلاً موقف المقارنة بين أجزاء الصلاة ، لنرىٰ موقع السجود بينها وما يمتاز به من خصائص ، وذلك علىٰ النحو الآتي :
ويراد به المثول بين يدي مالك الملك ، إعلاناً للطاعة والولاء وامتثال الأمر ، ولا يخفىٰ أنّ الاستعداد والمثول قياماً بين يدي الملك هو من دلائل الطاعة وعلاماتها. ومن هنا يقتضي أن تكون هيئة المثول وحقيقته متناسبة مع عظمة الملك الذي نقف بين يديه.
فكمال القيام بين يدي الله تعالىٰ أن يكون علىٰ طمأنينة وسكون وهيبة وحياء ، فلا يجعل رأسه مرفوعاً وكأنه يقف أمام ضده ونظيره ، ولا يبالغ في طأطأته فيخرج بالحياء عن صورته ، بل يجعل نظره إلىٰ محلّ سجوده ، مقيماً صلبه ونحره ، مرسلاً يديه علىٰ فخذيه بوقار ، فلا يعبث بهما ، ولو استحضر العبد أثناء قيامه قول الله تعالىٰ : ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (١) لما فارق هذه الهيئة.
ويزيد في جلال القيام وهيبته ما وجب فيه من تلاوة بعض سور القرآن الكريم ، وبهذا يكون القيام مشهداً من مشاهد الطاعة والولاء والاجلال والتعظيم.
__________________
القدير شرح الجامع الصغير / المناوي ٢ : ٨٧ / ١٣٤٨ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٥ ه ، ١٩٩٤ ، ط ١.
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.