الارتكاز بدور الوسيط بين إجماع الفقهاء من عصر الغيبة وبين الدليل الشرعي.
وبتعبير آخر : أنّ الإجماع معلول للارتكاز والجوّ العام الذي أوحت به السّنة بمجموعها والارتكاز بدوره معلول لوجود الدليل الشرعي الصادر من المعصوم والذي ليس رواية لفظية بل الأعم من قوله وفعله وتقريره.
فالكاشف المباشر والحقيقي عن الدليل الشرعي إنّما هو الارتكاز المذكور لأنّه معلول له فيكون كاشفا عنه من طريق كشف المعلول عن علته ، وبما أنّ الإجماع معلول لهذا الارتكاز فيكون كاشفا عن الدليل الشرعي أيضا لأنّه معلول له أيضا.
ولهذا فإنّ أي بديل للإجماع المذكور في إثبات هذا الوسيط والكشف عنه يؤدّي نفس دور الإجماع ، فإذا أمكن أن نستكشف بقرائن مختلفة أنّ سيرة المتشرّعة المعاصرين للأئمّة والمخالطين لهم واقتناعاتهم ومرتكزاتهم كانت منعقدة على الالتزام بحكم معين ، كفى ذلك في إثبات هذا الحكم.
وعلى هذا الأساس اتّضح أنّ الاجماع يكشف عن الوسيط الكاشف عن الدليل الشرعي. وعليه ، فلو قام شيء آخر يكشف عن هذا الوسيط لكان كاشفا عن الدليل الشرعي أيضا كالإجماع ، فلا خصوصيّة للإجماع حينئذ ، بل دوره دور الكاشف عن الوسيط فقط.
فإذا كانت السيرة المتشرعية الآن المنعقدة على حكم ما كاشفة عن هذا الوسيط كانت كاشفة أيضا عن الدليل الشرعي.
وأمّا كيف تكون السيرة المتشرعية المنعقدة الآن كاشفة عن الوسيط؟ فهذا يحتاج إلى إثبات كونها معاصرة للمعصومين عليهمالسلام أو للمخالطين وللمعاصرين منهم ، أو كونها كاشفة عن اقتناعات ومرتكزات الأئمّة عليهمالسلام أو أصحابهم ، فإذا أمكن ذلك كانت هذه السيرة كاشفة عن الوسيط الكاشف عن الدليل الشرعي أيضا.
وبهذا نعرف أنّ حجيّة الإجماع ليست ذاتية ، ولا مجعولة من الشارع ، وإنّما الإجماع يقوم بدور الكاشف عمّا هو حجّة شرعا ، وهو الارتكاز والسيرة العمليّة الكاشف عن وجود الدليل الشرعي.
وقد سبق عند الكلام عن طرق إثبات السيرة في الحلقة السابقة ما ينفع في