وهذا الجواب غريب ؛ لأن انعقاد السيرة على العمل بالظهور معناه انعقادها على اكتشاف مراد المولى بالظهور وتنجّزه بذلك ، وهذا لا ينافي استقرار عمل آخر لهم على خلاف ما تنجّز بالظهور ، فالعمل العقلائي بخبر الثقة ينافي مدلول الظهور في العمومات الناهية ولا ينافي نفس
بنائهم على العمل بهذا الظهور وجعله كاشفا وحجة.
ويرد عليه : أنّه وقع خلط بين مطلبين ، هما : بناء العقلاء على الأخذ بالظهور واعتباره حجّة وكاشفا عن مراد المتكلّم ، والآخر العمل بمدلول الظهور أو المنكشف به.
وتوضيح ذلك : أنّ انعقاد السيرة العقلائيّة على الأخذ بالظهور واعتباره حجّة معناه أنّ مراد المتكلّم يكتشف من خلال ما ظهر من كلامه سواء كان منجزا أم معذرا ، فإذا قال : ( أكرم العالم ) انعقد لكلامه ظهور في الإطلاق فيعلم بذلك أنّ مراده الجدّي هو الإطلاق ، وأنّه يجب إكرام كل عالم من العلماء سواء كان عادلا أم فاسقا ، ولا يختص كلامه بالعادل فقط ، لأنّه على خلاف ظهور كلامه ، فيتمسك بهذا الظهور ويعتبر حجّة لتفسير كلام المتكلّم ومراده الجدّي.
والأمر الآخر هو أنّ المنكشف بهذا الظهور والمدلول الظاهر للكلام هو الشمول والعموم والإطلاق لكل أفراد العالم ، وأنّه في مقام العمل والامتثال يجب إكرام الجميع من دون فرق بين العادل والفاسق.
وهذان المطلبان وقع الخلط بينهما في كلام المحقّق الأصفهاني ، حيث اعتبر أنّه يوجد تناقض وتناف بين القول بحجيّة الظهور والأخذ بالظهور في مقام اكتشاف مراد المتكلّم الجدّي ، وبين العمل بمدلول ومفاد المنكشف بهذا الظهور ، مع أنّه لا تنافي بينهما لأنّ أحدهما في طول الآخر ، والتعارض والتنافي إنّما يكون بين شيئين في رتبة واحدة وفي عرض واحد.
وحينئذ لا تعارض بين انعقاد سيرة العقلاء على حجيّة الظهور واكتشاف مراد المتكلّم الجدّي من خلاله ، وبين انعقاد سيرتهم على العمل بخبر الثقة ؛ لأنّ العمل بخبر الثقة لا ينافي ظهور عمومات ومطلقات النهي في العموم لأنّها أسبق رتبة منه ، وإنّما ينافي مدلول هذا العموم ، وهو أنّ كل ظن لا يجوز العمل به ، فإنّ هذا المفاد في