بالشرط ، فيثبت للجملة مفهوم ، حيث يكون هناك ربط آخر زائدا عن ربط الحكم بموضوعه ، وهذا الربط الآخر ربط حقيقي وليس ربطا صوريّا وتعبيرا آخر عن ربط الحكم بالموضوع.
فقولنا : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) هناك ربط لوجوب التبيّن بالنبإ وهناك ربط آخر وهو ربط وجوب تبيّن النبأ بمجيء الفاسق ، وهذا الربط الثاني ربط حقيقي وليس تعبيرا آخر عن الربط الأوّل ؛ لأنّ المفروض أنّ مجيء الفاسق ليس هو الأسلوب الوحيد لتحقّق النبأ ، بل يتحقّق النبأ بغيره أيضا أي بمجيء العادل ، فإذا انتفى مجيء الفاسق بالنبإ يثبت للجملة مفهوم ؛ لأنّ الموضوع متحقّق أيضا مع مجيء العادل حين انتفاء الفاسق فلا يجب التبيّن.
وليست هذه الجملة : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) في قوّة قولنا : ( تبيّنوا النبأ ) ؛ لأنّ الجملة الأولى الشرط فيها هو مجيء الفاسق فالحكم بوجوب التبيّن للنبإ مرتبط ومعلّق على مجيء الفاسق ، بينما في الجملة الثانية يكون وجوب التبيّن شاملا لمجيء الفاسق ومجيء العادل ، وهذا غير محتمل من قوله تعالى ؛ لأنّه يجعل العادل كالفاسق وهو خلاف الظاهر من الآية (١).
__________________
(١) هذا كلّه بناء على أنّ الموضوع في الآية هو النبأ والشرط هو مجيء الفاسق ، فيكون للجملة مفهوم.
وأمّا إذا كان الموضوع هو نبأ الفاسق والشرط هو مجيء الفاسق فيكون الشرط حينئذ هو الأسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع ؛ إذ من الواضح أنّ نبأ الفاسق لا يتحقّق إلا إذا جاء به الفاسق فيكون الشرط متّحدا مع الموضوع ، فيوجد ربط واحد فقط وليس هناك ربطان ، ولذلك لا يكون للجملة مفهوم.
والصحيح : هو الأوّل أي أنّ الموضوع هو النبأ والشرط هو مجيء الفاسق ، وبما أنّه ليس الأسلوب الوحيد فيثبت للجملة مفهوم.