...........
__________________
وأما الثاني : فمفهوم الإمكان ـ الذي هو مفهوم سلبي ـ ليس مطابقه إلاّ كسائر المفاهيم العدمية ، فإن مطابقها هو العدم بالحمل الشائع ـ أي ما يفرضه العقل محض البطلان وعين الهلاك في متن الواقع ـ لا أن مطابقه الموجودات الخارجيّة بما هي موجودة ، ولا ذوات الماهية المقولية ؛ لأن العدم لا يكون عين الوجود ، ولا النفي عين الثبوت ، والنعوت ـ التي هي محل الكلام ـ أوصاف الموجود بما هو موجود ، فليست أمرا اعتباريا عقليا ، ولا مفهوما عدميا ، ولا ذات ماهية مقولية ، كما عرفت الوجه في كل ذلك.
فان قلت : فما الفرق بين قاعدة عدم انتزاع مفهوم واحد من حقائق متباينة ، وصحّة انتزاع متعدّدة عن مطابق واحد؟ فان محذور الأول إن كان وحدة الكثير فمحذور الثاني كثرة الواحد.
قلت : المفهوم المنتزع عن مصداقه : إما مفهوم مقولي ماهوي ، أو لا. فإن كان مفهوما مقوليا ماهويا ، فكما لا يصح انتزاع مقولي عن مقولات متعددة ، كذلك لا يصح انتزاع مفاهيم مقولية ماهوية عن حقيقة واحدة ؛ إذ لا فرق بين الحقيقة والماهية إلا بلحاظ الوجود الخارجي مع الماهية وعدمه ، فلا يعقل أن تكون ماهية واحدة ماهيات متباينة خارجا ، ولا يعقل أن تكون ماهيات متعددة ماهية واحدة خارجا.
وإن كان المفهوم غير مقولي ولا ماهوي فهو على قسمين :
فتارة : يكون نسبة إلى مطابقة نسبة الذاتي إلى الذات ، كمفهوم الوجود الحاكي عن مقام ( ذات حقيقة الوجود من حيث كونها في قبال العدم بذاتها ، فإن حقيقة الوجود وإن كانت لا ماهية لها ـ كيف؟ وهي سنخ في قبال سنخ الماهية ـ إلا أنّ مفهوم الوجود باعتبار فنائه في نفس حقيقة الوجود كأنه ذات الوجود وماهيته ، ولذا لا يعقل أن يحكي عن حقائق متباينة.
واخرى لا يكون للمفهوم بالإضافة إلى مطابقة هذه النسبة ، بل يحكي عن شئون الوجود كمفهوم التشخّص ، والخيرية ، والنورية ، فإن هذه الحيثيات ليست حيثية ذات الوجود ـ بما هي ـ في قبال العدم ، بل حيثيات شئونه ونعوته ، فلذا يصح أن يكون مطابقها عين مطابق مفهوم الوجود ، وكثرة الواحد إنما تلاحظ بالإضافة إلى الواحد بالحقيقة ، لا بالنسبة إلى الواحد من حيث الوجود ، بمعنى أن حقيقة واحدة ـ بما هي حقيقة واحدة ـ لا يعقل أن تكون عين الكثير من حيث الحقيقة أو ما يشبهها ، لا أن وجودا واحدا لا يكون مطابق مفاهيم حاكية عن غير الذات ، بل عن شئونها المتحدة معه وجودا.