عرفت سابقا ، فلا يعقل الوضع له ، ولا الانتقال باللفظ إليه ، إلا بالوجه والعنوان ، ومفروض الأشعري مدلوليته بنفسه للكلام اللفظيّ ، لا بوجهه وعنوانه. هذا كله إذا كان الكلام على وجه يناسب علم الكلام.
وإن كان النزاع في مدلول الصيغة ـ كما هو المناسب لعلم الاصول ـ فالتحقيق :
أن مدلول صيغة ( افعل ) وأشباهها ليس الطلب الانشائي ، ولا الإرادة الانشائية ، بل البعث المأخوذ على نحو المعنى الحرفي ، والمفهوم الأدويّ ، كما أشرنا إليه في أوائل التعليقة ، وسيجيء ـ ان شاء الله تعالى ـ عما قريب.
والبعث الموجود بوجوده الإنشائي ليس من الطلب والإرادة في شيء ، ولا يوجب القول به إثبات صفة نفسانية أو فعل نفساني يكون مدلولا للكلام اللفظي ، إلا بتوهم : أن الانشاء إيجاد أمر في النفس ، وسيجيء تحقيق نحو وجود الأمر الإنشائي إن شاء الله تعالى (١).
وأما أنّ مدلول الصيغة هو البعث تقريبا ، دون الإرادة الانشائية ، فيشهد له الوجدان (٢) ، فإنّ المريد لفعل الغير ، كما أنه قد يحرّكه ويحمله عليه تحريكا حقيقيا وحملا واقعيا ، فيكون المراد ملحوظا بالاستقلال ، والتحريك ـ الذي هو آلة إيجاده خارجا ـ ملحوظا بالتبع. كذلك قد ينزل هيئة ( اضرب ) منزلة التحريك
__________________
(١) في التعليقة : ١٥٠ من هذا الجزء.
(٢) قولنا : ( فيشهد له الوجدان ... الخ ).
فإن الانسان بعد اشتياقه لفعل الغير الذي هو تحت اختياره يقوم بصدد تحصيله منه : إما بالبعث إليه ، أو بايجاد الداعي له ، ونحوهما ، فيناسبه وضع الهيئة لمثل هذه الامور حتى تكون الهيئة بعثا تنزيليا أو جعلا للداعي تنزيلا ، وأما إنشاء الإرادة مع تحقّق نفس الارادة ، فهو أجنبي عن ذلك ؛ لأنّ وجودها الواقعي حاصل ، ومع ذلك يحتاج إلى توسّط أمر آخر ، فكيف يتوسّط بينها وبين المراد إنشاء مفهوم الارادة؟ فتدبر ، فإنه حقيق به ( منه عفي عنه ).