توضيحه : أن الإشكال : إن كان في أصل وجوب الإرادة ففيه : أن إرادته ـ تعالى ـ واجبة بالذات ، فالامر فيها أشكل.
وإن كان في وجوبها بالغير ـ وانتهائها إلى الغير ـ ففيه : أن المانع من الانتهاء إلى الغير ليس إلا لزوم كون الفعل بجميع مقدماته ـ أو بهذه المقدمة الأخيرة ـ صادرا عن اختيار ، فينتقض بإرادة الباري ؛ إذ ليست إرادته من أفعاله الاختيارية ، مع أنه موجب لعدم كون الإرادة عين ذاته للزوم التعدد ، بل يشكل حتى على القول بعدم كون إرادته عين ذاته للزوم التسلسل.
مضافا إلى أنّ الحاجة إلى مرادية الإرادة من جهة أنّ الإرادة من مقدّمات الفعل ، فلو لم تكن بإرادته لم يكن الفعل بإرادته. وحينئذ فيشكل : بأن هذا الإشكال لا اختصاص له بالإرادة ، بل يجري في علمه وقدرته ، ووجوده حيث إنّها ممّا يتوقّف عليه الفعل ، وليست تحت قدرته واختياره.
ويسري هذا الإشكال في فعل الواجب تعالى ؛ حيث إنه يتوقف على ذاته وصفاته ، مع أنه ليس شيء منها من أفعاله الاختيارية ، فإنّ وجوب الوجود بالذات يقتضي كونه بلا علّة ، لا كونه موجدا لذاته وصفاته. فمناط المقهورية والمجبورية ـ وهو عدم كون الفعل بجميع مقدماته تحت اختيار الفاعل ـ مشترك
__________________
شعور وقدرة وإرادة ، وهو حقيقة وواقعا مغاير للفعل الصادر بقسر القاسر وللفعل الصادر عن محض الطبع ؛ بحيث لو فرض الالتزام بعدم المبدأ للموجودات ، وفرض استقلال الإنسان في أفعاله بأن كان مفيدا لوجودها لم يكن صفاته التي هي شرائط إفاضة الوجود منه عليها إلا طبيعية ، ومع ذلك يحكمون بحسن التكليف والمؤاخذة بالإضافة إلى الفعل الصادر من فاعله عن شعور وقدرة وإرادة دون غيره ، سواء كان بالقسر والجبر ، أو بالطبع وباقتضاء ذاته ، ويفرّقون بين فاعلية النفس لأفعالها الصادرة عن شعور وقدرة وإرادة ، وفاعليتها لحفظ المزاج وإفادة الحرارة الغريزية ، فانها طبيعية ، والنفس فاعل بالطبع لمثل هذه الأفعال ، دون الاولى. [ منه قدس سره ].