الواجبين في الحكمة الإلهية ، فإنّ إخلاف الميعاد مناف للحكمة وموجب لعدم ارتداع النفوس من التوعيد والتخويف. وهذا الوجه ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات (١) على ما هو ببالي ، وغيره في غيرها (٢) ، لكن الكلام في أصل التخويف والتوعيد (٣) ؛ إذ أيّ موجب لهما عقلا حتى يجب ايفاؤهما وإحقاقهما؟!
وصحّحه بعض أجلّة العصر : بأن أصل التخويف والتوعيد ، وإن كان بنفسه تعهّد إيذاء الغير ، إلا أنّ ذلك من باب دفع الأفسد بالفاسد ، وهو دفع وقوع العبد في المفسدة أو فوت المصلحة عنه بالتخويف والتوعيد المقتضيين لترتّب العقاب على ما اختاره العبد من المعاصي والمآثم.
وأنت خبير بأنّ مفسدة نفس التوعيد وهي تخويف الغير وإرعابه ، وإن كانت جزئية لا تقاوم مفسدة الزنا مثلا ، لكن لازم هذا الجعل والتوعيد ، وهو وقوع العبد في العذاب الاخروي أعظم بمراتب من وقوعه في المفسدة الدنيوية ، ومن فوت المصلحة الدنيوية عنه ، فكيف يكون من باب دفع الأفسد بالفاسد؟! بل الأمر بلحاظ لازمه بالعكس. وكون الإثم والعصيان باختيار المكلّف لا دخل له
__________________
الهادي والمرشد والدليل هو المقتضي لجعل الاحكام ، وتاكيد الدعوة بحكمته وعنايته هو المقتضي لجعل العقاب ، وكونه عادلا (أ) وشديد العقاب هو المقتضي لإجراء العقاب فتفطّن. ( منه عفي عنه ).
(١) الاشارات والتنبيهات ٣ : ٣٢٩.
(٢) كالمحقّق الطوسي (رحمه الله) والعلامة الحلي (رحمه الله) في تجريد الاعتقاد وشرحه كشف المراد : المسألة الرابعة في المعاد : ٤٠٥.
(٣) الظاهر عدم وجود مصدر ( التوعيد ) ولا فعله ( وعّد ) في اللغة ، وإنما الموجود : ( أوعد إيعادا ، ووعد وعيدا ، واتّعد اتّعادا ، وتوعّد توعّدا ). هذا في الشر فحسب ، أما ( وعد وعدا ) فبالخير والشر.
__________________
(أ) توجد هنا في الأصل كلمة غير مقروءة ، والظاهر أنها « ومنتقما ».