لأنّ جواز الاقتصار على الإتيان بداعي الأمر يكشف عن تعلّق الأمر بنفس الفعل ، لا الفعل بداعي حسنه أو غيره من الدواعي ؛ إذ لا يمكن إتيانه بداعي الأمر إلاّ مع تعلّقه بذات الشيء ، وإلاّ يلزم اجتماع داعيين على فعل واحد ، أو كون داعي الأمر من قبيل داعي الداعي ، وهو خلف ؛ لفرض كفاية إتيانه بداعي الأمر بنفسه ، مع أن الكلام فيما يكون الفعل عباديّا وقربيّا ، وهذه الدواعي بين ما لا يوجب العبادية والقربية وما يتوقّف على عبادية الفعل وقربيته.
أما الإتيان بداعي كونه ذا مصلحة فقد عرفت سابقا (١) : أنه بمجرّده لا يوجب الارتباط إلى المولى ، ولا انطباق عنوان حسن عليه.
وأما الإتيان بداعي (٢) كونه ذا مصلحة موافقة للغرض ، وداعية للمولى إلى إرادة ذيها ، فهو وإن كان يوجب الارتباط وانطباق الوجه الحسن ، لكنه لا يعقل تعلّق الإرادة بما فيه مصلحة داعية إلى شخص هذه الإرادة ، وكما لا يمكن إرادة فعل بداعي شخص هذه الإرادة ، كذلك إرادة فعل بداعي ما يدعو إلى شخص هذه الإرادة بما هو داع إليها لا بذاته.
وأما الإتيان بداعي الحسن الذاتي أو بداعي أهليته ـ تعالى ـ ، أو له ـ تعالى ـ بطور لام الصلة ـ لا لام الغاية ـ فكل ذلك مبنيّ على عبادية المورد ، مع
__________________
(١) وذلك في التعليقة : ١٦٦ عند قوله : ( وأما الإتيان بداعي المصلحة الكامنة ... ).
(٢) قولنا : ( وأما الإتيان بداعي .. الخ ) ربما يورد عليه أيضا : بلزوم محذور الدور منه ؛ لأن قصد المصلحة يتوقف على كونه ذا مصلحة ، ويتوقف كونه ذا مصلحة على قصدها.
ويندفع : بأنه كذلك لو كان قصد المصلحة مأخوذا على نحو الجزئية ، فإنه حينئذ بعض ما يقوم بالمصلحة ، وأما إذا كان بنحو الشرطية ، فلا محذور ؛ لأن نفس المركّب من الأجزاء هو الذي يقوم به المصلحة (أ) ، وقصدها دخيل في فعليتها ، فلا مانع من أخذ قصد إتيانها بداعي ما فيها من المصلحة ، وصيرورة تلك المصلحة فعلية بسببه فتدبّر. ( منه عفي عنه ).
__________________
(أ) في الأصل : ( هي التي يقوم بها المصلحة .. ) ، والصحيح ما اثبتناه.