حاصله : أن الصدور والمراديّة حيثيتان واقعيتان موجودتان في الكلام المفروض ، فلم يلزم اتصاف الواحد بما هو واحد بوصفين متقابلين.
بل التحقيق أن المفهومين المتضايفين ليسا متقابلين مطلقا ، بل التقابل في قسم خاص من التضايف ، وهو ما إذا كان بين المتضايفين تعاند وتناف في الوجود ، كالعلية والمعلولية مما قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد ، لا في مثل العالمية والمعلومية ، والمحبّية والمحبوبية ؛ فإنهما يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات كما لا يخفى. والحاكي والمحكي ـ والدال والمدلول ـ كاد (١) أن يكون (٢) من قبيل القسم الثاني ؛ حيث لا برهان على امتناع حكاية الشيء عن نفسه.
هذا ، ويمكن الخدشة في الجواب المزبور عن المحذور المذكور : بأن إرادة شخص نفسه هنا ـ على حد الارادة المتعلقة بسائر الأفعال الخارجية ـ لا دخل لها بالإرادة المدلول عليها بالدلالة الكلامية ، ودلالته (٣) على كون نفسه مرادا على حدّ دلالة سائر الأفعال الخارجية على القصد والارادة.
وبالجملة : إرادة شخص نفسه في قوة عدم إرادة إرادة شيء به ، فلم يبق إلا كونه أمرا اختياريا ، يتوقف صدوره على إرادته. فتدبر جيّدا.
__________________
(١) قال عليه السلام « يا من دلّ على ذاته بذاته » ، وقال عليه السلام : « أنت دللتني عليك ». [ منه قدس سره ].
العبارة الاولى من دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام المنقول عن مصباح السيد ابن الباقي (رحمه الله) ، البحار ( ٩١ : ٢٤٣ ) ، والمذكور في مجموعة الشهيد (رحمه الله) ( مخطوط ) : (٣٠). والعبارة الثانية من دعاء أبي حمزة الثمالي من أدعية أسحار شهر رمضان المبارك للإمام زين العابدين عليه السلام وتتمته : « بك عرفتك ، وأنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولو لا أنت لم أدر ما أنت ». مصباح المتهجّد ـ للشيخ الطوسي (رحمه الله) ـ ص : ٥٢٥.
(٢) كذا في الأصل ، والصحيح : .. كادا أن يكونا ...
(٣) فهي دلالة عقلية كسائر أنحاء دلالة المعلول على علته ، لا دلالة جعلية كلامية كما هو محل الكلام. [ منه قدس سره ].