الملاك روح التكليف وما به قوامه وهو الداعي إلى جعله وإنشائه ، ولا مسوّغ معه لترك التعلم قبل الوقت أو قبل تحقق الشرط.
وأما الصورة الأُولى : فهي الّتي وقع الكلام عنها في المقام نظراً إلى أن الملاك والتكليف إذا كان كلاهما مشروطاً بالقدرة بحيث لا يبقى أي ملاك ولا خطاب عند فقدها ، وفرضنا أن المكلف لو لم يتعلم الواجب قبل مجيء وقته أو فعلية شرطه لم يتمكن منه بعدهما فلما ذا يجب تعلمه قبلهما؟ لوضوح أنه لا تكليف بالعمل قبلهما حتى تجب مقدمته وهو التعلم على الفرض كما أنه لا مقتضي لوجوبه بعدهما ، إذ لا قدرة للمكلف بعد مجيء الوقت أو فعلية الشرط ، ومع العجز لا خطاب ولا ملاك ، ومن الظاهر أن مع عدم وجوب ذي المقدمة لا معنى لوجوب مقدمته. نعم ، المكلف لو تعلم الواجب قبلهما كان متمكناً من العمل في ظرفه إلاّ أنه مما لا ملزم له ، فإن الواجب على المكلف إنما هو امتثال التكاليف الثابتة في ذمته ولا تكليف عليه بإيجاد موضوعاتها بجعل نفسه متمكناً من المأمور به حتى يتوجه عليه الخطاب ، ولأجل هذه المناقشة التجأ المحقق الأردبيلي ومن تبعه إلى الالتزام بالوجوب النفسي في المقام وذهبوا إلى أن التعلم واجب نفسي والعقاب إنما هو على ترك التعلم نفسه لا أنه على ترك الواجب الواقعي.
وفيه : أن الأدلة المستدل بها على وجوب التفقه والتعلم ظاهرة في أن التعلم واجب طريقي ، وأنه مقدمة لامتثال الأحكام الواقعية ولا يكاد يستفاد منها أنه واجب نفسي أبداً (١). وعليه فلا دليل في شيء من المقدمات المفوّتة على وجوب تحصيلها قبل مجيء وقت الواجب أو حصول شرطه حتى يتمكن من الواجب بعدهما ، وذلك لما مرّ من أنه قبل الوقت لا تكليف بذي المقدمة حتى تجب مقدماته وبعده أيضاً الأمر كذلك لعدم
__________________
(١) لاحظ الرواية الواردة في تفسير قوله عزّ من قائل ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ). حيث ورد فيها : « إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال : نعم ، قال الله : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلاً قال له : أفلا تعلّمت حتى تعمل؟ فيخصم فتلك الحجة البالغة. المروية في البحار ج ٢ ص ٢٩ وص ١٨٠ من الطبع الحديث. وفي تفسير البرهان في ج ١ ص ٥٦٠ بأدنى اختلاف في اللّفظ فإنها ظاهرة في أن التعلم إنما يجب من باب الطريق إلى العمل.