القدرة على الواجب وانتفاء كل من الملاك والخطاب ، ووجوب حفظ القدرة قبل مجيء الوقت أو حصول الشرط للفعل الواجب بعدهما ، لم يقم عليه دليل فللمكلف أن يهريق ما بيده من الماء قبل الوقت ، ولو مع العلم بعدم تمكنه منه للغسل أو الوضوء بعد فعلية الواجب بمجيء وقته أو تحقق شرطه.
والصحيح أن التعلم خاصة ليس كسائر المقدمات المفوّتة ، وأنه أمر واجب قبل الوقت في الموقتات وقبل حصول الشرط في الواجبات المشروطة ، وذلك لإطلاق الأدلة القائمة على وجوبه ، ولدلالتها على أن ترك الواجب إذا استند إلى ترك التعلم استحق المكلف العقاب عليه ، سواء أكان تركه قبل دخول الوقت أو حصول الشرط أم بعدهما فدلنا ذلك على أن التعلم مأمور به مطلقاً ، وإن لم يدخل وقت الواجب ولا تحقق شرطه ، وحيث إن مفروضنا أن فوات الواجب في ظرفه مستند إلى ترك التعلم قبلهما فمقتضى إطلاق الأدلة وجوبه وأن المكلف معاقب بتركه الواجب فلا مسوّغ لترك التعلم ، وإن لم يكن هناك أي تكليف متوجه إلى ذي المقدمة. ومعنى ذلك أن وجوب التعلم طريقي وأنه إنما وجب للإتيان بالواجبات لا لأنه مطلوب نفسي كسائر الواجبات ، فإذا تركه المكلف عوقب بمخالفته للمكلف به الواقعي ولا يعاقب بتركه التعلم أبداً.
وتظهر الثمرة فيما إذا استند ترك الواجب إلى أمر آخر ولم يستند إلى ترك التعلم فإن المكلف حينئذٍ لا يعاقب بشيء ، وإنما يعاقب بتركه إذا استند إلى ترك التعلم كما مرّ ، هذا كلّه فيما إذا علم المكلف بأنه سيبتلي بالواجب بعد مجيء وقته أو علم أن شرطه سيتصف بالفعلية في المستقبل.
وأما إذا لم يعلم بذلك وإنما احتمل الابتلاء به في ظرفه فالأمر أيضاً كذلك لما قررناه في بحث البراءة ، من أن التكليف المحتمل إذا كان في معرض الوقوف عليه لم تجر البراءة العقلية عنه ، وذلك لأن وظيفة المولى ليست سوى التصدي لبيان أحكامه وجعلها في مورد لو فحص عنها المكلف لظفر بها ، فإذا جعل تكاليفه في مورد العثور عليها تمت الوظيفة من قبله وانتهت النوبة إلى وظيفة العبد ، أعني لزوم الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إليه من سيده ، ومعه لا مؤمّن له من العقاب على مخالفة التكليف