فليس كل تعظيم عبادة ، وأن ضابط التعظيم المقتضي للعبادة هو أن يعتقد له التأثير في النفع والضر ، أو يعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحيث ينفع في الآخرة ويستنزل به النصر والشفاء في الدنيا.
والتوسل لا يسمى عبادةً قطعاً ولا يقال فيه عبادة ، وإنما هي وسيلةٌ اليها ، وسيلة الشيء غيره بالضرورة.
الثاني : الوسيلة لغةً كل ما يتقرب به الى الغير ، وسل الى الله تعالى توسيلاً عمل عملاً تقرب به اليه ، فتحقق منه أن التوسل لا يسمى عبادةً قطعاً ، ولا يقال فيه عبادة وإنما هو وسيلةٌ اليها ، ووسيلة الشيء غيره بالضرورة وهو واضح ، فإن التوسل لا تقرب فيه للمتوسل به ولا تعظيمه غاية التعظيم ، والتعظيم إذا لم يصل الى هذا الحد لا يكون الفعل المعظم به عبادة ، فلا يطلق اسم العبادة على ما ظهر من الاستعمال اللغوي إلا على ما كان بهذه المثابة من كون العمل دالاً على غاية الخضوع منوياً به التقرب للمعبود تعظيماً له بذلك التعظيم التام.فاذا اختل شيء منها منع الاطلاق.
أما الدلالة على نهاية الخضوع فظاهر ، لأن مناط التسمية لم يوجد ، ولأن الناس من قديم الزمان الى الآن يخضعون لكبرائهم ورؤسائهم بما يقتضيه مقامه الدنيوي عندهم ويحيونهم بأنواع التحيات ، ويتذللون بين أيديهم ، ولا يعدون ذلك قربة ، ولا يطلقون عليه اسم العبادة ، وإنما يرونه من باب الأدب ، وما ذاك إلا لكون ذلك الخضوع لم يبلغ نهايته والعظيم الناشيء عنه لم يبلغ غايته.
وبهذا ظهر الفرق بين التوسل والعبادة. على أن عبد يتعدى بنفسه وتوسل يتعدى بحرف الجر.
وقد أوغل ابن تيمية في بيداء القياس الفاسد دفعتين ، قياسه معاني هذا الألفاظ ـ توسل استعان ، استغاث ، تشفع ـ على العبادة ، وقياسه المؤمنين المتوسلين بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثلاً على عبدة الأوثان من دون الله ، بجامع إرادة الجاه في كل.
فلينظر اللبيب الى أين رماه جهله باللغة العربية ، فإنه لو تأمل في قول القائل : اللهم