البراءة من الحسد وأذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه الفحص وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ويده الرحمة ورجله زيارة العلماء وهمته السلامة
______________________________________________________
غيره ، وذلك يوجب عدم تذكره ونقص علمه ، وكذا يوجب عدم استعلامه ما لا يعلمه عمن يعلمه لأنه يبغضه بحسده ولا يريد أن يعلم الناس أنه قابل للتعليم ، فالحاسد علمه أعمى ، ولما كان الحسد بالعين نسب إليها ، « وأذنه الفهم » أي فهم المراد والمقصود ، لأن الذهن إذا لم يفهم المعنى المقصود كان كالذي يخاطب بما لا يسمع ، وأيضا الأذن آلة للفهم فناسبه « ولسانه الصدق » لأنه إذا لم يكن مع العلم الصدق كان كالأبكم ، إذ كما أن الأبكم لا ينتفع الناس بمنطقة فكذا العالم الكاذب لا ينتفع الناس بإفاداته ، لعدم اعتمادهم عليه « وحفظه الفحص » هو البحث والكشف عن الشيء والعلم بدون الفحص كالذي لا حفظ له فيغفل عن كثير وينسى كثيرا.
« وقلبه حسن النية » وهو أن لا يكون له مقصود في طلب العلم وبذله إلا رضى الرب سبحانه ، حتى يترتب عليه الحياة الأبدية ، فالعلم العاري عن ذلك كمن لا قلب له فلا حياة له ، والمناسبة ظاهرة ، و « عقله » أي ما هو فيه بمنزلة النفس للبدن ، أو بمنزلة القوة المميزة بين الحسن والقبيح ، والمراد بمعرفة الأشياء والأمور إما معرفة جميع الأمور التي لا بد من معرفتها أو معرفة الدنيا وفنائها ، وما يوجب الزهد فيها والإعراض عنها والتوجه إلى جناب الحق تعالى ومعرفة من يجب متابعته ، ويجوز أخذ العلم عنه ، فإن معرفة هذه الأشياء يوجب حصول العلم الكامل ، وتحصيله من معدنه وإفاضة العلوم الربانية عليه ، فهي بالنسبة إلى مجموع العلم كالنفس أو كالقوة المميزة في أن العلم لا يحصل إلا بها ، ولها تعلق تام بالقلب المتقدم ذكره ، ويمكن حمله على معرفة مبادئ العلوم الحقة وما يتوقف تحصيلها عليه ، والأوسط أظهر.
« ويده الرحمة » أي الرحمة على المحتاجين إليه من العلم أو الأعم منه ومن غيره ، والعلم مع عدمها كالذي لا يدله ، وكذا زيارة العلماء كالرجل له ، إذ لولاها لما انتقل