كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا والتدبير
______________________________________________________
المفروض ، والقوة يقتضي الغلبة والقهر على كل شيء سواه ، فما السبب المانع لأن يدفع كل واحد منهما صاحبه حتى ينفرد بالتدبير والقهر على غيره ، إذ اقتضاء الغلبة والاستعلاء مركوزة في كل ذي قوة على قدر قوته ، والمفروض أن كلا منهما في غاية القوة وأما فساد الشق الثاني فهو ظاهر عند جمهور الناس لما حكموا بالفطرة من أن الضعف ينافي الإلهية ولظهوره لم يذكره عليهالسلام ، وأيضا يعلم فساده بفساد الشق الثالث وهو قوله : وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه أي الإله واحد كما نحن نقول للعجز الظاهر في المفروض ثانيا ، لأن الضعف منشأ العجز والعاجز لا يكون إلها بل مخلوقا محتاجا لأنه محتاج إلى من يعطيه القوة والكمال والخيرية وأما الحجة البرهانية فأشار إليها بقوله : وإن قلت إنهما اثنان ، وبيانه : أنه لو فرض موجودان قديمان فإما أن يتفقا من كل جهة أو يختلفا من كل جهة ، أو يتفقا بجهة ويختلفا بأخرى ، والكل محال أما بطلان الأول فلان الاثنينية لا تتحقق إلا بامتياز أحد الاثنين عن صاحبه ، ولو بوجه من الوجوه ، وأما بطلان الثاني فلما نبه عليه بقوله : فلما رأينا الخلق منتظما.
وتقريره أن العالم كله كشخص واحد كثير الأجزاء والأعضاء ، مثل الإنسان ، فإنا نجد أجزاء العالم مع اختلاف طبائعها الخاصة وتباين صفاتها وأفعالها المخصوصة يرتبط بعضها ببعض ويفتقر بعضها إلى بعض ، وكل منهما يعين بطبعه صاحبه ، وهكذا نشاهد الأجرام العالية وما ارتكز فيها من الكواكب المنيرة (١) في حركاتها الدورية وأضوائها الواقعة منها نافعة للسفليات محصلة لأمزجة المركبات التي يتوقف عليها صور الأنواع ونفوسها ، وحياة الكائنات ونشو الحيوان والنبات ، فإذا تحقق ما ذكرنا من وحدة العالم لوحدة النظام واتصال التدبير دل أن إلهه واحد ، وإليه أشار بقوله : دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد ، وأما بطلان الشق
__________________
(١) في نسخة « من الجواهر النيرة ».