عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له
______________________________________________________
السادس : ما ذهب إليه الفلاسفة وأثبتوه بزعمهم من جوهر مجرد قديم لا تعلق له بالمادة ذاتا ولا فعلا ، والقول به كما ذكروه مستلزم لإنكار كثير من ضروريات الدين من حدوث العالم وغيره ، مما لا يسع المقام ذكره ، وبعض المنتحلين منهم للإسلام أثبتوا عقولا حادثة وهي أيضا على ما أثبتوها مستلزمة لإنكار كثير من الأصول المقررة الإسلامية ، مع أنه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى ، وقال بعض محققيهم : إن نسبة العقل العاشر الذي يسمونه بالعقل الفعال إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن ، فكما أن النفس صورة للبدن ، والبدن مادتها ، فكذلك العقل صورة للنفس والنفس مادته ، وهو مشرق عليها ، وعلومها مقتبسة منه ، ويكمل هذا الارتباط إلى حد تطالع العلوم فيه ، وتتصل به ، وليس لهم على هذه الأمور دليل إلا مموهات شبهات ، أو خيالات غريبة ، زينوها بلطائف عبارات.
فإذا عرفت ما مهدنا فاعلم أن الأخبار الواردة في هذه الأبواب أكثرها ظاهرة في المعنيين الأولين ، الذي مالهما إلى واحد ، وفي الثاني منهما أكثر وأظهر ، وبعض الأخبار يحتمل بعض المعاني الأخرى ، وفي بعض الأخبار يطلق العقل على نفس العلم النافع المورث للنجاة ، المستلزم لحصول السعادات ، فأما أخبار استنطاق العقل وإقباله وإدباره ، فيمكن حملها على أحد المعاني الأربعة المذكورة أولا ، أو ما يشملها جميعا وحينئذ يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير كما ورد في اللغة ، أو يكون المراد بالخلق الخلق في النفس واتصاف النفس بها ، ويكون سائر ما ذكر فيها من الاستنطاق والإقبال والأدبار وغيرها استعارة تمثيلية لبيان أن مدار التكاليف والكمالات والترقيات على العقل ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستنطاق جعله قابلا لأن يدرك به العلوم ، ويكون الأمر بالإقبال والأدبار أمرا تكوينيا بجعله قابلا لكونه وسيلة لتحصيل الدنيا والآخرة والسعادة والشقاوة معا ، وآلة للاستعمال في تعرف حقائق الأمور والتفكر في دقائق الحيل أيضا ، وفي بعض الأخبار : بك آمر وبك