أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب
______________________________________________________
أنهى وبك أعاقب وبك أثيب ، وهو منطبق على هذا المعنى لأن أقل درجاته مناط صحة أصل التكليف ، وكل درجة من درجاته مناط صحة بعض التكاليف وفي بعض الأخبار « إياك » مكان « بك » في كل المواضع ، وفي بعضها في بعضها ، فالمراد المبالغة في اشتراط التكليف به ، فكأنه هو المكلف حقيقة ، وما في بعض الأخبار : من أنه أول خلق من الروحانيين فيحتمل أن يكون المراد أول مقدر من الصفات المتعلقة بالروح ، وأول غريزة تطبع عليه النفس ، وتودع فيها ، أو يكون أوليته باعتبار أولية ما يتعلق به من النفوس ، وأما إذا حملت على المعنى الخامس ، فيحتمل أن يكون أيضا على التمثيل كما مر وكونها مخلوقة ظاهر ، وكونها أول مخلوق إما باعتبار أن النفوس خلقت قبل الأجساد كما ورد في الأخبار المستفيضة ، فيحتمل أن يكون خلق الأرواح مقدما على خلق جميع المخلوقات غيرها ، لكن خبر : « أول ما خلق العقل » لم أجده في الأخبار المعتبرة ، وإنما هو مأخوذ من أخبار العامة ، وظاهر أكثر أخبارنا أن أول المخلوقات الماء أو الهواء كما بيناه في كتاب السماء والعالم من كتابنا الكبير.
نعم ورد في أخبارنا أن العقل أول خلق من الروحانيين ، وهو لا ينافي تقدم خلق بعض الأجسام على خلقه ، وحينئذ فالمراد بإقبالها بناء أعلى ما ذهب إليه جماعة من تجرد النفس : إقبالها إلى عالم المجردات ، وبإدبارها تعلقها بالبدن والماديات ، أو المراد بإقبالها إقبالها إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة ، وبإدبارها هبوطها عن تلك المقامات ، وتوجهها إلى تحصيل الأمور الدنية الدنيوية ، وتشبهها بالبهائم والحيوانات ، فعلى ما ذكرنا من التمثيل يكون الغرض بيان أن لها هذه الاستعدادات المختلفة ، وهذه الشؤون المتباعدة ، وإن لم نحمل على التمثيل يمكن أن يكون الاستنطاق حقيقيا وأن يكون كناية عن جعلها مدركة للكليات ، وكذا الأمر بالإقبال والأدبار يمكن أن يكون حقيقيا لظهور انقيادها لما يريده تعالى منها ، وأن يكون أمرا تكوينيا لتكون قابلة للأمرين أي الصعود إلى الكمال و