وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١)
______________________________________________________
( بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ) إما مصدرية أي بنفعهم أو موصولة أي بالذي ينفعهم من المحمولات والمجلوبات ، ( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ) من الأولى للابتداء ، والثانية للبيان والسماء يحتمل الفلك والسحاب ، وجهة العلو وإحياء الأرض بالنباتات والأزهار والثمرات ( وَبَثَّ فِيها ) عطف على « أنزل » أو على « أحيى » فإن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالمطر ، والبث : النشر والتفريق والمراد بتصريف الرياح إما تصريفها في مهابها قبولا ودبورا ، وجنوبا وشمالا أو في أحوالها حارة وباردة ، وعاصفة ولينة ، وعقيمة ولواقح ، أو جعلها تارة للرحمة وتارة للعذاب ( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ ) أي لا ينزل ولا ينقشع ، مع أن الطبع يقتضي أحدهما حتى يأتي أمر الله ، وقيل مسخر للرياح تقلبه في الجو بمشية الله تعالى ، أو سخره الله وهيأه لمصالحنا ( لَآياتٍ ) أي علامات ودلالات وبراهين تدل لإمكانها على صانع واجب الوجود بالذات ، ترفع الحاجة من الممكنات إذ الممكن لا يرفع حاجة الممكن ، ولإتقانها وكونها على وفق الحكم والمصالح التي تعجز جميع العقول عن الإحاطة بعشر أعشارها ، على كون صانعها حكيما عليما قادرا رحيما بعباده ، لا يفوت شيئا من مصالحهم ، وللجهتين جميعا على كونه مستحقا للعبادة ، إذ العقل يحكم بديهة بأن الكامل من جميع الجهات ، العاري من جميع النقائص والآفات ، القادر على إيصال جميع الخيرات والمضرات ، هو أحق بالمعبودية من غيره لجميع الجهات ، وأيضا لما دلت الأحكام والانتظام على وحدة المدبر كما سيأتي بيانه دل على وحدة المستحق للعبادة ، وكل ذلك ظاهر لقوم عقلهم في درجة الكمال ، وفي الآية دلالة على لزوم النظر في خواص مصنوعاته تعالى ، والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعمله وقدرته وحكمته وسائر صفاته ، وعلى جواز ركوب البحر والتجارات والمسافرات لجلب الأقوات والأمتعة.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٦٣.