يا هشام إن لكل شيء دليلا ودليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمت ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.
يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة
______________________________________________________
الدليل : المعلم وقال في المغرب السكان ذنب السفينة لأنها به تقوم وتسكن ، والمناسبة بين المشبه والمشبه به في جميعها لا يخفى على الفطن اللبيب.
قوله عليهالسلام : ودليل العقل ، أي التفكر في الإنسان يدل على عقله ، كما أن صمته يدل على تفكره ، أو أن التفكر يوصل العقل إلى مطلوبه ، وما يحصل له من المعارف والكمالات ، وكذا الصمت دليل للتفكر فإن التفكر به يتم ويكمل.
قوله عليهالسلام : ومطية العقل التواضع ، أي التذلل والانقياد لله تعالى في أوامره ونواهيه أو الأعم من التواضع لله تعالى أو للخلق ، فإن من لم يتواضع يبقى عقله بلا مطية ، فيصير إلى الجهل أو لا يبلغ عقله إلى درجات الكمال ، والمطية : الدابة المركوبة التي تمطو في سيرها أي تسرع ، وفي تحف العقول مكان العقول في الموضعين العاقل ، ولا يخفى توجيهه ، والخطاب في قوله : كفى بك ، عام كقوله فيما سيأتي كيف يزكو عملك ، وأخواتها.
قوله عليهالسلام : إلا ليعقلوا ، ضمير الجمع راجع إلى العباد ، وإرجاعه إلى الأنبياء بعيد ، أي ليعلموا علوم الدين أصولا وفروعا عنه تعالى بتوسط الأنبياء والأوصياء عليهالسلام فالعقل هنا بمعنى العلم ، أو لتصير عقولهم كاملة بحسب الكسب بهداية الله تعالى ، والتفريع بالأول أنسب.
قوله عليهالسلام : فأحسنهم استجابة ، لما كان غاية البعثة والإرسال حصول المعرفة ، فمن كان أحسن معرفة كان أحسن استجابة ، ومن كان أحسن عقلا كان أعلم بأمر الله وأعمل ، فالأكمل عقلا أرفع درجة حيث يتعلق رفع الدرجة بكمال ما هو الغاية.