يستوفي منها رزقه ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه ومن قنع بما يكفيه استغنى ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.
يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا ( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (١) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها.
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا
______________________________________________________
بالطالبة من الطواري التي ليس من حق الدنيا في ذاتها أن تكون موصوفة بها ، فلو أتى بالعاطف لفاتت تلك الدلالة ، وأما الآخرة فلما كانت الأمران أي الطالبية والمطلوبية كلاهما مما تستحقها وتتصف بها في ذاتها ، فأتى بالعاطف ، وإن حمل قوله : الدنيا طالبة مطلوبة ، على تعدد الخبر ففي ترك العاطف دلالة على عدم ارتباط طالبيتها بمطلوبيتها ، وفي الآخرة فالأمران فيها مرتبطان لا يفارق أحدهما الآخر ، ولذا أتى بالواو الدالة على المقارنة في أصل الثبوت لها.
قوله تعالى ( لا تُزِغْ ) الزيغ : الميل والعدول عن الحق ، والردى الهلاك والضلال.
قوله عليهالسلام : من كان قوله لفعله مصدقا ، على صيغة اسم الفاعل أي ينبغي أن يأتي أولا بما يأمره ، ثم يأمر غيره ليكون قوله مصدقا لما يفعله ، وإذا فعل فعلا من أفعال الخير وسئل عن سببه أمكنه أن يبين حقيته بالبراهين العقلية والنقلية ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ٨.