صغيراً بعمر اسماعيل ويضاف إلى ذلك الغربة المؤلمة والبعد عن الوطن والأحباء .
واشتدّ هذا الابتلاء عندما احتاج طفلها إلى الماء ليزيل عطشه الشديد وكيف تحصل على مطلوبه ومطلوبها في تلك الصحراء القاحلة ولكن قوة أملها في أن يجعل الله لها ولطفلها من بعد عسر يسراً ومن بعد شدة فرجاً ـ جعلتها تعيش حالة الترقب لبزوغ صبح الفرج واليسر وانجلاء ليل الشدة والعسر .
وحيث كانت ناضجة العقل وكاملة الرشد الديني والوعي الإيماني ومدركة ببركة هذا الوعي أن الإنسان المؤمن مكلف بالسعي في سبيل تحصيل الهدف المحبوب أو دفع الحادث المكروه تمشياً مع الحكمة الإلهية التي قضت واقتضت أن لا تدرك المسببات إلا بأسبابها ولا تدخل البيوت إلا من أبوابها ـ لذلك انطلقت ساعية في سبيل تحصيل الماء لنفسها ولطفلها وقاصدة مكان الصفا الذي يبتدىء سعي الحجاج منه ويختمونه بالمروة ـ في كل شوط من أشواطه السبعة وذلك حينما لاح لها بريق السراب في مكان ابتداء السعي ( الصفا ) وتخيلت أنه ماء وعندما وصلت إليه تبين لها الواقع وأنه سراب خادع ثم التفتت إلى جهة المروة فشاهدت بريقاً يُوهم أنه ماء فسعت إليه وتبين لها أنه من نوع البريق الأول .
ورغم ذلك بقيت تسعى بدافع الرجاء والأمل برحمة الله تعالى ولم يتسرب اليأس والقنوط إلى قلبها لأن ذلك لا مجال له عند النفوس الكبيرة المؤمنة قال سبحانه :
( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) (١) .
__________________
(١) سورة الحجر ، الآية : ٥٦ .