وهكذا تابعت الرعاية الإلهية هذه المرأة وطفلها فهيأ لهما ببركة هذا الماء ـ وجود جماعة تنفي عنها وحشة الغربة وحرارة الكربة التي كانت تعاني منها بسبب إقامتها في تلك الصحراء الجرداء بلا جار مريح وإنسان إنسان ترتاح بقربه وتتعاون معه على طي مسافة المدة المقدر لها أن تقيمها فيها ـ أي في تلك الصحراء .
وكانت تلك الجماعة التي جاءت لتجاورها هي قبيلة جرهم وذلك بعدما شاهدت الطيور تحوم فوق ذلك المكان وتهبط إليه لتشرب من مائه ـ فعرفت هذه القبيلة بوجود الماء فيه .
وكانت جُرهُم هذه قبيلة عربية معروفة بالنبل والكرم والأريحية فاندفعت بعامل هذه الصفات النبيلة للانفتاح على هذه المرأة الصالحة الغريبة النجيبة وطفلها الصغير البريء ـ بالعطف والحنان والبر والإحسان من أجل التعبير عن مشاعر الإنسانية من جهة ومن أجل تحصيل موافقتها على الاستفادة من ذلك الماء الواقع تحت إشرافها وحيازتها ـ من جهة أخرى .
وترعرع ذلك الطفل في ظل رعايتهم له ولأمه مع حضانتها وقيامها بواجب الأمومة تجاهه .
والذي زاد في عطفهم ورعايتهم لهما معرفتهم بأن هذا الطفل هو نجل النبي إبراهيم عليه السلام وأن أمه هذه هي زوجة ذلك النبي العظيم وهذا ما بعث السرور والاطمئنان في قلب هذا الأب الرحيم والزوج الكريم حيث استجيب دعاؤه وتضرعه إلى الله تعالى بقوله :
(
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ
بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ