وإذا كان لربط مبنى هذه الكلمة من الناحية اللفظية الصياغية بمصدرها وقع إيجابي في نفس القارىء الكريم والحاج العزيز فنحن نرى أن أقرب منطلق لها هو المعرفة بمعناها الإيجابي الذي اعتبره الله سبحانه علة لإيجاد الكون بما فيه الإنسان وذلك على ضوء التفسير الذي يفيد أن المراد بالعبادة الواردة في قوله تعالى :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (١) .
هو المعرفة ـ وذلك لأن المعرفة الصحيحة هي مصدر العقيدة الصحيحة والعبادة المطلوبة لله تعالى المقربة منه ـ ويصح تقسيمها بلحاظ متعلقها إلى قسمين :
الأول : المعرفة الأساسية الأصلية وهي المتعلقة بأصول الدين المعهودة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ـ وقد أشرت إليها بأسلوب علمي مختصر في أكثر من حديث من أحاديث الجزء الأول من وحي الإسلام .
القسم الثاني من المعرفة : هو المعرفة المتعلقة بفروع الدين المتفرعة على أصوله وقد فرقوا بين هذين القسمين من المعرفة بأن الأول يجب أن يكون حاصلاً من الدليل القاطع الثابت لدى العارف المعتقد ولو كان ذلك الدليل مختصراً فطرياً موجباً للاعتقاد الجازم ولا يجوز فيه تقليد الآخرين مهما سمت مرتبتهم العلمية .
وأما القسم الثاني : فالمكلف مخير بين أن يحصله بالاجتهاد والدليل الصحيح المعتبر وأن يقلد فيه المجتهد الواجد لشروط
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦ .