المراد من العبادة بمعناها العام الذي اعتبره الله سبحانه العلة الغائية الداعية لخلق الجن والإنس على ما صرح به سبحانه في كتابه الكريم بقوله عز وجل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (١) .
الخضوع الكلي والانقياد المطلق لإرادة الله سبحانه بكل عمل اختياري يصدر من المكلف بإرادته واختياره سواء كان هذا العمل باطنياً كالتفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار من أجل التوصل به إلى تحصيل الإيمان الراسخ بوجود الله ووحدانيته وعدله وضرورة إرساله للأنبياء وتعيينه للأوصياء وحشره للناس غداً للحساب يوم الجزاء .
أم كان عملاً ظاهرياً وموقفاً خارجياً منطلقاً من ذلك الإيمان من أجل أن يتوصل الإنسان بهذه العبادة بكلا شقيها الباطني والظاهري إلى ما أراد الله سبحانه له أن يصل إليه ويحصل عليه من السعادة في الدنيا والآخرة .
وذلك لأن العبادة الظاهرية تتمثل بفعل ما أمر الله به من الواجبات والمستحبات وترك ما نهى عنه من المحرمات والمكروهات وحيث أن الله حكيم رحيم لا يأمر إلا بما فيه المصلحة والمنفعة المادية والمعنوية ولا ينهى إلا عما فيه المضرة والمفسدة المادية والمعنوية فإذا حقق العبد ذلك واتقى الله حق تقاته وحصَّل المنافع والفوائد وسلم من المضار والمفاسد فهو يدخل جنة الدنيا ومنها ينطلق إلى جنة البقاء والخلود ـ قال سبحانه :
( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢) .
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦ .
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٩٦ .